معنى هذا الامتناع أنّ ما تعهّد به الضامن- وهو أداء المدين للدين- لم يتحقّق، ولمّا كان الأداء بنفسه ذا قيمةٍ مالية، والمفروض أ نّه تلف على الدائن بامتناع المدين عنه قصوراً أو تقصيراً، فيصبح مضموناً على من كان متعهِّداً به، وتشتغل ذمّة الضامن حينئذٍ بقيمة الأداء التي هي قيمة الدين.
وهكذا يتّضح أنّ الضمان بالمعنى الثالث هو تعهّد بالأداء، لا تعهّد بالمبلغ في عرض مسؤولية المدين، وأنَّ هذا التعهّد ينتج ضمان قيمة المتعهَّد به إذا تلف بامتناع المدين عن الأداء، ولكن حيث إنّ الأداء ليس له قيمة مالية إلّابلحاظ مالية مبلغ الدين فاستيفاء الدائن لقيمة الأداء من الضامن بنفسه استيفاء لقيمة الدين، فيسقط الدين بذلك.
وهذا المعنى الثالث للضمان صحيح شرعاً بحكم الارتكاز العقلائي أولًا، وللتمسّك بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»[1] ثانياً، إلّاأنّ التمسّك بعموم «أَوْفُوا* بِالْعُقُودِ» يتوقّف على أن نثبت قبل ذلك بالارتكاز العقلائي مثلًا عقدية هذا النحو من التعهّد والضمان، أي كون إيجاده المعاملي مُتقوِّماً بالتزامين من الطرفين ليحصل بذلك معنى العقد بناءً على تَقوّم العقد بالربط بين التزامين بحيث يكون أحدهما معقوداً بالآخر. وأمّا إذا كان التعهّد والضمان بالمعنى المذكور ممّا لا يتقوّم إيجاده المعاملي في الارتكاز العقلائي بالتزامين من الطرفين فلا يصدق عليه العقد بناءً على هذا ويكون إيقاعاً لا تشمله عندئذٍ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».
أمّا كيف نعرف أنّ المضمون المعاملي هل يتقوّم إيجاده بالتزامٍ من طرفٍ واحدٍ أو بالتزامين من طرفين؟ فذلك بأن يلاحظ أنّ ما يتكفّله المضمون المعاملي هل جُعل تحت سلطان شخصٍ واحدٍ وضعاً، أو جعل تحت سلطان شخصين بنحو
[1] المائدة: 1