ويتّضح ممّا سبق أنّ دائنية البنك بأكبرَ من الكمّية الموجودة من الودائع لديه فعلًا أمر جائز شرعاً إذا وجد السبب الشرعيّ للدائنية، وهو الإقراض الذي يتوفّر فيه قبض المقرِض المبلغ كما في الحالة الثانية، أو قبول الحوالة كما في الحالة الثالثة. وأمّا إذا لم يتحقّق السبب الشرعيّ للدائنية من إقراضٍ مع القبض، أو قبول الحوالة، أو غيرهما من الأسباب الشرعية فلا مبرِّر للدائنية كما في الحالة الاولى، فإنّ مجرّد التزام البنك ب (2000) دينارٍ لكلٍّ من الشخصَين وتقييد المبلغ في الرصيد المَدين لحسابه الجاري في سجلّاته الخاصّة لا يخلق دَيناً ودائناً ومَديناً.
ويجب أن يعلم بهذا الصدد أ نّنا حين نؤكِّد على بطلان القرض في الحالة الاولى، لعدم توفّر القبض، ونربط صحة القرض بقبض المبلغ المقترَض لا نريد بالقبض فصله نهائياً عن البنك المقرِض، بل بإمكان العميل الذي يطلب قرضاً قدره ألف دينارٍ مثلًا أن يقبض هذا المبلغ ثمّ يودِعه في حسابه الجاري في البنك، ويكون القرض في هذه الحالة صحيحاً؛ لأنّه قرض مقبوض.
وقد يقال: إنّ العميل بإيداعه المبلغ مرّةً اخرى في البنك يكون قد أقرضه للبنك؛ لأنّ الإيداع إقراض من الناحية الفقهية، فيصبح العميل دائناً للبنك بألف، أي بنفس قيمة المبلغ الذي اقترضه منه، وبذلك تحصل المقاصّة الجبرية بين الدَينَين وتتلاشى دائنية البنك، وهذا يعني أنّ البنك لا يمكنه أن يحتفظ بدائنيّته لعميله ما لم ينفصل المبلغ المقترَض نهائياً عن البنك.
والجواب على هذا القول: أنّ العميل بقبضه للمبلغ مباشرةً أو توكيلًا يصبح مديناً للبنك بألف دينارٍ مثلًا، وبإيداعه المبلغ مرّةً اخرى في حسابه الجاري في البنك وإن خلق ديناً جديداً له من البنك إلّاأنّ الدَينَين لا يسقطان بالمقاصّة؛ لأنَّ العادة في القرض الذي تسلّمه العميل من البنك أن يكون مؤجّلًا إلى مدّةٍ محدّدة، بينما لا يكون القرض المتمثِّل في إيداع العميل للمبلغ في حسابه الجاري مؤجّلًا،