أيضاً. فحينما يقترن الواقع الموضوعي في تجربتنا ضمن شروط خاصّة- من المواجهة بطريقة معيّنة، وعدم وجود حائل، وتوفّر حدّ أدنى من النور بالنسبة إلى الإدراك البصري، وغير ذلك- بصورة محسوسة، ويطرد هذا الاقتران، نستنتج منه بمناهج الدليل الاستقرائي: أنّ هذا الاقتران ليس صدفة، بل هو نتيجة لعلاقة السببيّة بين الواقع الموضوعي ضمن تلك الشروط الخاصّة والصورة المحسوسة.
فإذا اتّفق أ نّا لم نحصل في حالة على صورة محسوسة لشيء، أمكننا أن نستدلّ بذلك على عدم وجود ذلك الشيء- على أساس تلك السببيّة المستنتجة استقرائياً-، فإنّ عدم وجود المسبّب يدلّ دائماً على عدم وجود سببه، فأنت حينما تؤكّد: أ نّك جالس في مكتبك بمفردك، ولا يوجد معك أحد من أصدقائك، تقرّر بذلك قضية مستدلّة استقرائياً بالطريقة التي أوضحناها.
وكما أنّ سببية الواقع الموضوعي في ظلّ شروط معيّنة لإيجاد الصورة المحسوسة، قضية استقرائية، كذلك الدور الإيجابي الذي تلعبه تلك الشروط، وبالتالي عدم إمكان الحصول على صورة محسوسة عند فقدها، فإنّ كلّ ذلك ممّا تصل إليه بالاستدلال الاستقرائي. فإنّنا حينما نلاحظ في تجربتنا: أنّ إدراكنا الحسّي البصري لشيء يتلاشى ويتوقّف في اللحظة التي تبرز في إدراكنا الحسّي صورة محسوسة لشيء آخر يبدو في إدراكنا أ نّه أقرب إلينا من الشيء الذي كنّا نراه قبل لحظة، نستنتج من ذلك بمناهج الاستدلال الاستقرائي: أ نّا كلّما حصلنا على إحساس بصري بشيء يبدو أكثر قرباً إلينا، نفقد إحساسنا بالشيء السابق ضمن شروط معيّنة، من قبيل أن لا يكون الشيء الذي يبدو أقرب جسماً شفّافاً كالزجاج.
وهكذا نعرف: أنّ اعتقادنا بأ نّا سوف لا نرى كفّ الشخص الذي نواجهه إذا وضعها خلفه، اعتقاد استقرائي مستنتج من اقتران انقطاع الرؤية بوجود الحائل