بالبرق، ولكن هذا الاتصال المباشر وحده لا يكفي لكي يكشف لنا حقيقة هذا البرق الذي نتّصل به، وهل هو حادثة ذاتية يرتبط وجودها بنفس إدراكي لها وإحساسي بها، أو حادثة موضوعية يرتبط إحساسي بها وإدراكي لها بوجودها؟
فوجود برق حين أرى برقاً معرفة أوّلية، ولكن كون هذا البرق حادثة موضوعية لا ذاتية ليس معرفة أوّلية، ولا يثبته الحسّ الظاهر بصورة مباشرة.
ونحن في هذه الصيغة لتبرير الشكّ في الموضوعية افترضنا برقاً واحداً يؤكّده لنا الحسّ الظاهر، ولكنّه لا يستطيع أن يؤكّد بصورة مباشرة ذاتيّته أو موضوعيّته.
الثانية: نفترض أنّ من المؤكّد- على أساس التمييز بين الجانب الذاتي من المحسوس والجانب الموضوعي- أنّ الذي نتّصل به مباشرة في الحسّ الظاهر ليس حادثة موضوعية، بل هو حادثة ذاتية وصورة ذهنية في إدراكنا الحسّي؛ لأنّ للمحسوس جانبه الذاتي على أيّ حال، سواء كان له جانب موضوعي أو لا. وإنّما نحتمل أن تكون هذه الحادثة الذاتية مرتبطة ارتباطاً سببياً بحادثة موضوعية، فلسنا إذن على اتصال مباشر بالحادثة الموضوعية، حتّى ولو كانت هذه الحادثة موجودة حقاً، بل نحن على صلة مباشرة بالحادثة الذاتية.
وكلتا هاتين الصيغتين تؤدّيان إلى نتيجة واحدة، وهي: أنّ الموضوعية ليست معطىً مباشراً للحسّ، فكيف نستطيع أن نثبت الواقع الموضوعي؟
وعلى هذا الأساس رفضت المثالية الإيمان بالواقع الموضوعي، وانطلقت من التمييز بين الصورة الذهنية والواقع الموضوعي إلى القول بأنّ معرفتنا الحسّية لا تبرّر الاعتقاد بالواقع الموضوعي، ما دمنا لا نتّصل به مباشرة، وإنّما نتّصل بالصور الذهنية والحوادث الذاتية.