الثانية، وعن طريقه وصلنا إلى العلم بتلك القضية الاستقرائية. ولكن ليس من الضروري لتفسير اختلاف قيم أطراف (العلم الإجمالي 1) أن نفترض الإثبات الاستقرائي لتلك القضية على مستوى اليقين، بل يكفي أن تكون ثابتة باحتمال استقرائي كبير وفقاً للمرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي، فإنّ هذا يعني:
أنّ افتراض تأثير التباينات والجوانب المتحرّكة في الحادثة يستلزم- بدرجة ذلك الاحتمال الاستقرائي الكبير- عدم تكرّر الحادثة على نهج واحد في كلّ المرّات، وهذا يكفي لكي يجعل احتمال هذا التكرّر أضعف من احتمال أيّ حالة اخرى من الحالات التي يشملها (العلم الإجمالي 1).
وباكتشاف حقيقة المبدأ الأرسطي وارتكازه على أساس تجمّع الاحتمالات، نستطيع أن نفسّر عدّة نقاط غامضة في طريقة تطبيق هذا المبدأ، لم يكن من السهل تفسيرها بدون اكتشاف المحتوى الحقيقي لهذا المبدأ.
فأوّلًا: أنّ هذا المبدأ- أو بالأحرى: أنّ قاعدة عدم التماثل- إنّما تجعل احتمال تكرّر الصدفة بصورة متماثلة أبعد من أيّ احتمالٍ آخر، فيما إذا كان التماثل المفترض في هذا الاحتمال تماثلًا حقيقياً لا تماثلًا مصطنعاً.
وأقصد بالتماثل الحقيقي: ذلك التماثل الذي يكشف عن سبب واحد مشترك، فحينما يظهر وجه الكتابة في المرّة الاولى وفي المرّة الثانية معاً يعتبر هذا تماثلًا حقيقياً؛ لأنّه يكشف عن أنّ السبب الذي أدّى إلى ظهور وجه الكتابة في المرّة الاولى أدّى- أيضاً- إلى ظهوره في المرّة الثانية، وهذا يعني أنّ السبب لظهور وجه الكتابة في المرّة الاولى هو ذلك الجزء المشترك من الظروف والملابسات بين المرّة الاولى والمرّة الثانية، ولمّا كانت الأجزاء غير المشتركة أكثر جدّاً فسوف يكون احتمال سببية الجزء المشترك وبالتالي تكرّر ظهور الكتابة في كلّ مرّة، أضعف من سائر الاحتمالات.