ونشكّ في شيء آخر فعلًا، فبإمكاننا أن نؤكّد أنّ ما نعلمه ثابت، سواء كان الشيء الآخر المشكوك ثابتاً أم لا. فمثلًا: إذا كنّا نعلم بأنّ المطر ينزل فعلًا، ونشكّ في خسوف القمر فعلًا، فيمكننا أن نؤكّد أنّ المطر ينزل فعلًا، سواءً كان القمر مخسوفاً الآن أم لا؛ لأنّ وجود المشكوك أو عدمه لا يزعزع من معلومنا، إذ لو كان للخسوف تأثير سلباً أو إيجاباً في نزول المطر لما أمكننا العلم بنزول المطر مع الشكّ فعلًا في الخسوف، وهذا يعني: أنّ علمنا فعلًا بنزول المطر يستبطن علمين بقضيّتين شرطيّتين: الأوّل العلم بأ نّه إذا كان القمر مخسوفاً فالمطر ينزل، والآخر العلم بأ نّه إذا لم يكن القمر مخسوفاً فالمطر ينزل أيضاً، ومردّ مجموع هاتين القضيّتين الشرطيّتين إلى قولنا المتقدّم: إنّ المطر ينزل سواء كان القمر مخسوفاً الآن أم لا. وإذا انتفى أيّ واحد من العلمين بالقضيّتين الشرطيّتين، فمن الضروري أن ينتفي العلم بنزول المطر؛ لأنّ معنى انتفاء العلم بإحدى القضيّتين الشرطيّتين:
أنّ عدم نزول المطر محتمل على تقدير أنّ خسوف القمر ثابت أو على تقدير أ نّه غير ثابت، وحيث أنّ هذا التقدير محتمل فعلًا فيكون عدم نزول المطر محتملًا فعلًا.
وعلى هذا الضوء إذا حلّلنا النتائج التي انتهينا إليها عند تطبيق المصادرة نجد أنّ هناك شيئاً معلوماً فعلًا بحكم هذه المصادرة، وهو سببيّة (أ) ل (ب)، وشيئاً مشكوكاً ومحتملًا فعلًا وهو وجود (ت) في جميع التجارب الناجحة؛ لأنّ احتمال وجود (ت) كذلك لا يمكن القضاء عليه بسبب (العلم 2) مهما كانت قيمته ضئيلة؛ لأنّه أحد أطراف هذا العلم.
ولو كانت هذه النتائج صحيحة، وكنّا على يقين حقّاً من سببيّة (أ) ل (ب) مع الشكّ فعلًا في وجود (ت) في جميع التجارب الناجحة، لكان من الضروري أن يستبطن علمنا بالسببيّة علماً بقضيّتين شرطيّتين- كما لاحظنا في مثال المطر