ونكتفي الآن بالإشارة إلى أنّ من أهمّ الفوارق التي تتميّز بها تلك الدرجات الموضوعية للتصديق، والتي تتمتّع بالبداهة والعطاء المباشر عن الدرجات الذاتية التي يصطنعها التصديق الذاتي المنحرف، أنّ كلّ درجة من تلك الدرجات الموضوعية للتصديق لا تتعارض مع سائر الدرجات الموضوعية للتصديقات الاخرى، أي أنّ مجموعة الدرجات الموضوعية المعطاة بصورة أوّلية يجب أن لا يكون بينها تناقض. وأيّ مجموعة لوحظ التناقض بين الدرجات المختلفة المحدّدة ضمنها، فإنّ هذا التناقض يبرهن على أنّ هذه المجموعة قد اندسّت فيها درجات ذاتية للتصديق، وأنّ هذا هو سبب التناقض. ومن هنا كان أحد أساليب الكشف عن عدم كون درجة معيّنة للتصديق درجة موضوعية أوّلية- أي معطاة عطاءً مباشراً- إثبات أ نّها تناقض درجات اخرى للتصديق الموضوعي لا يمكن التنازل عن موضوعيّتها.
ففي مثال المكتبة- المتقدّم- حينما كنّا نواجه شخصاً يجزم بأنّ الكتاب الذي نحاول أن نشتريه ليس هو الكتاب الناقص، أمكننا أن نبرهن له على أنّ هذه الدرجة من التصديق التي يعيشها، ذاتية وليست موضوعية، وإذا طالبناه بالطريقة التي استنبط بها هذه الدرجة من درجات تصديق سابقة، وكيف برهن عليها، فزعم أ نّها درجة أوّلية ومعطاة عطاء مباشراً وليست مستنبطة، أمكننا أن ندحض ذلك بإبراز تناقضها مع تصديقات اخرى موضوعية لا يمكنه التنازل عنها، وهي تصديقه بأنّ هناك كتاباً واحداً ناقصاً في مجموعة الكتب، وتصديقه بأنّ المجموعة تحتوي على مائة ألف، وتضمّ هذا الكتاب الذي نحاول أن نشتريه نفسه، وتصديقه بأ نّا لا نملك أيّ فكرة عن تعيين ذلك الكتاب الناقص. فإذا كان هذا الشخص يجزم بأنّ أيّ كتاب نحاول أن نشتريه ليس ناقصاً، فهذا يناقض تصديقه بأنّ هناك كتاباً واحداً ناقصاً في المجموعة، وإذا كان جزمه بعدم النقصان يختص