وجزم- على أساس هذا الاستبعاد- بأنّ هذا الكتاب ليس هو الكتاب الناقص، فهذا يعني: أنّ اليقين الذاتي قد وجد لديه، ولكنّنا نستطيع أن نقول بأ نّه مخطئ في يقينه هذا، وحتّى إذا لم يكن هذا الكتاب هو الكتاب الناقص حقّاً فإنّ ذلك لا يقلّل من أهمية الخطأ الذي تورّط فيه هذا الشخص. وسوف يكون بإمكاننا أن نحاجّه قائلين: وما رأيك في الكتاب الآخر وفي الكتاب الثالث … وهكذا؟ فإن أكّد جزمه ويقينه الذاتي بأنّ الكتاب الآخر ليس هو الناقص أيضاً، وكذلك الثالث …
وهكذا، فسوف يناقض نفسه؛ لأنّه يعترف فعلًا بأنّ هناك كتاباً ناقصاً في مجموعة الكتب. وإن لم يسرع إلى الجزم في الكتاب الثاني أو الثالث طالبناه بالفرق بين الكتاب الأوّل والثاني … وهكذا، حتّى نغيّر موقفه من الكتاب الأوّل، ونجعل درجة تصديقه بعدم نقصانه لا تتجاوز القدر المعقول لها، فلا تصل إلى اليقين والجزم.
فهناك- إذن- تطابقان في كلّ يقين: تطابق القضية التي تعلّق اليقين بها مع الواقع، وتطابق درجة التصديق التي يمثّلها اليقين مع الدرجة التي تحدّدها المبرّرات الموضوعية.
ومن هنا نصل إلى فكرة التمييز بين اليقين الذاتي واليقين الموضوعي، فاليقين الذاتي هو التصديق بأعلى درجة ممكنة سواء كان هناك مبرّرات موضوعية لهذه الدرجة أم لا، واليقين الموضوعي هو التصديق بأعلى درجة ممكنة على أن تكون هذه الدرجة متطابقة مع الدرجة التي تفرضها المبرّرات الموضوعية. أو بتعبير آخر: إنّ اليقين الموضوعي هو أن تصل الدرجة التي تفرضها المبرّرات الموضوعية إلى الجزم.
وعلى هذا الأساس قد يوجد يقين ذاتي ولا يقين موضوعي، كما في يقين ذلك الشخص الذي يرمي قطعة النقد ويجزم مسبقاً بأنّ وجه الصورة سوف يبرز،