هي: درجة من التصديق بقضية «أنّ (أ) سبب ل (ب)»، وليست قضية السببيّة نفسها. وبإمكاننا أن نعبّر عن هذا بتعبير آخر وهو: أنّ المستنبط من الدليل الاستقرائي نفس قضية السببيّة- سببية (أ) ل (ب)- ولكن بدرجة من التصديق تقلّ عن اليقين.
فسواء ميّزنا بين قضية السببيّة وقضية درجة التصديق بها، وافترضنا أنّ النتيجة المستنبطة من الاستقراء هي القضية الثانية دون الاولى، أم افترضنا قضية واحدة وهي قضية السببيّة، وافترضنا أ نّها هي المستنبطة من الدليل الاستقرائي مباشرة، ولكن استنباطها يعني درجة من التصديق تقلّ عن اليقين، سواء عبّرنا بهذا الشكل أو بذاك فإنّ هناك حقيقة ثابتة على كلّ حال وهي: أنّ المرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي لا تؤدّي إلى اليقين بالسببيّة، ولا إلى اليقين بالتعميم الاستقرائي، وإنّما تعطي قيمة احتمالية كبيرة لدرجة التصديق بتلك السببيّة وهذا التعميم.
والسؤال الأساس الذي يواجهنا لدى دراسة المرحلة الثانية من الدليل الاستقرائي هو: هل أنّ هذه القيمة الاحتمالية الكبيرة تتحوّل إلى يقين في مرحلة تالية من الدليل الاستقرائي أو لا؟
اليقين المنطقي والموضوعي والذاتي:
ولكي ندرس ذلك يجب أن نحدّد معنى اليقين الذي نتحدّث عنه، حينما نتساءل عن تحوّل القيمة الاحتمالية الكبيرة إلى يقين في مرحلة تالية من الدليل الاستقرائي.
فإنّا يجب أن نميّز بين ثلاثة معانٍ لليقين:
1- اليقين المنطقي أو «الرياضي»، وهو المعنى الذي يقصده منطق البرهان