دور المرحلة الذاتية في إيجاد اليقين
[تمهيد:]
استطعنا حتّى الآن أن نكتشف محتوى المرحلة الاولى من الدليل الاستقرائي، وعرفنا أنّ الدليل الاستقرائي في هذه المرحلة يعتبر دليلًا استنباطياً، إذا سلّمنا بما يتوقّف عليه من المصادرات التي تفترضها نظرية الاحتمال.
غير أنّ هناك فارقاً أساسياً بين الطابع الاستنباطي للدليل الاستقرائي، والطابع الاستنباطي للأدلّة الاستنباطية البحتة، كالبرهان الذي يستنبط «أنّ زوايا المثلّث تساوي قائمتين» من مصادرات الهندسة الإقليدية.
وهذا الفارق يكمن في أنّ الأدلّة الاستنباطية البحتة تبرهن على الجانب الموضوعي من الحقيقة، فالبرهان الهندسي على «أنّ زوايا المثلّث تساوي قائمتين» يثبت- وفق مناهج الاستدلال الاستنباطي- هذه المساواة بين زوايا المثلّث وقائمتين كحقيقة موضوعية، وأمّا الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية فهو لا يبرهن على الجانب الموضوعي من الحقيقة، ولا يثبت أنّ (أ) سبب ل (ب)، وإنّما يثبت بطريقة استنباطية درجةً من التصديق بهذه الحقيقة، تتمثّل في القيمة الاحتمالية الكبيرة التي أنتجها تجمّع عدد كبير من الاحتمالات على محور واحد هو سببية (أ) ل (ب). فالقضية المستنبطة من الدليل الاستقرائي