يكمن في أنّ الدليل الاستقرائي قد استخدم هنا بصورة منحرفة لإثبات أنّ ما عدا (أ) لا يترتّب عليه (ب)، بدلًا عن إثبات أنّ الألفات الاخرى التي لم يشملها الاستقراء يترتّب عليها الباء.
وفي المثال الآخر قيل: «لا إنسان حيّ الآن قد مات»، وجعل هذا الاستقراء دليلًا على أنّ كلّ الناس الأحياء الآن خالدون. ونحن إذا افترضنا أنّ الخلود تعبير عن تجاوز أبعد حدود العمر الطبيعي الذي يبلغه الإنسان عادة، وكانت لدينا مبرّرات للشكّ في قدرة الإنسان على تجاوز تلك الحدود، واحتمال وجود عوامل قاهرة تؤدّي إلى موته حتماً قبل تجاوزها، فكيف نستطيع أن نستدلّ استقرائياً على خلود الناس المعاصرين، أي قدرتهم على تجاوز تلك الحدود، عن طريق أ نّهم لا يزالون أحياء بعد، رغم أنّ أيّ واحد منهم لم يتجاوز تلك الحدود؟
وهكذا نصل إلى النتيجة التالية وهي: أنّ الاستقراء الذي يفشل أحياناً ليس هو نفسه الاستقراء الذي ينجح في أكثر الأحيان، فلا يمكن أن يستخدم ذلك كدليل على أنّ الاستقراء ليس مبدأ منطقياً. بل إنّ الدليل الاستقرائي إذا استكمل متطلّباته اللازمة لممارسة مرحلته الاستنباطية، فهو ناجح في تنمية احتمال التعميم وإعطائه أكبر قيمة احتمالية ممكنة. وهذا يعني: أنّ الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية تبرهن على قيمة احتمالية كبيرة، وهو في حدود برهنته على هذه القيمة، وضمن شروطه ومصادراته اللازمة له، مبدأ منطقي. ولا يعني هذا أنّ النتيجة التي يبرهن الاستقراء على قيمة احتمالية كبيرة لها يجب أن تكون صادقة دائماً من الناحية المنطقية، وإنّما يعني: أنّ القيمة الاحتمالية الكبيرة التي يعطيها الدليل الاستقرائي للنتيجة قيمة منطقية.