(أ) و (ب) علاقة ضرورة في حالات اقتران أحدهما بالآخر، أو لم تكن، لا يختلف بسبب ذلك ما هو المحتوى الحسّي لخبرتنا عن (أ) و (ب)؛ لأنّ علاقة الضرورة لا تدخل في مجال الخبرة الحسّية. وهذا يعني أنّ هذه الجملة ليس بالإمكان التوصّل إلى كيفية لاستخدام الخبرة الحسّية في إثبات صدقها أو كذبها، وجملة من هذا القبيل لا يعترف بها المنطق الوضعي كقضية، ويرفض التسليم بوجود معنى لها.
ونستخلص من ذلك: أنّ الوضعية تقدّم مبرّراً منطقياً لرفض علاقة السببيّة بمفهومها الحقيقي، يقوم على أساس أنّ أيّ كلام يتحدّث عن هذه السببيّة بوصفها علاقة ضرورة لا معنى له إطلاقاً.
وتقييم هذا المبرّر المنطقي للرفض يرتبط بتقييم موقف المنطق الوضعي من القضية ومفهومه عنها، الذي يربط فيه بين معنى القضية وكيفية استخدام الخبرة الحسّية لإثبات صدقها. وسوف نتناول ذلك بالدرس والنقد في القسم الأخير من بحوث هذا الكتاب- إن شاء اللَّه- ونخرج بنتيجة وهي: أنّ المنطق الوضعي ليس على حقّ في هذا الربط بين معنى القضية وكيفية إثبات صدقها، وبذلك يفقد المبرّر- الذي استعرضناه لرفض علاقة السببيّة- أساسه المنطقي.
2- التبرير الفلسفي:
ويمكننا أن نعتبر المبرّرات الناشئة عن الاتجاه التجريبي في نظرية المعرفة ذات طابع فلسفي، فهناك اتجاه في نظرية المعرفة يؤمن بأنّ التجربة والخبرة الحسّية هي المصدر الأساس للمعرفة البشرية، ويرفض التسليم بمبادئ أو قضايا بصورة مستقلّة عنها، وهذا هو الاتجاه الذي يؤمن به المذهب التجريبي في نظرية المعرفة.