الكتاب-)، وأنّ أيّ حادثة توجد عقيب حادثة اخرى فوجودها عقيبها صدفة ولا يعبّر عن أيّ لزوم، فالغليان عقيب الحرارة والحرارة عقيب الحركة صدفة، كما أنّ نزول المطر عقيب صلاتك صدفة. والفارق بين الصدفتين: أنّ الاولى تتكرّر على سبيل الصدفة بصورة مطّردة، وأنّ الثانية لا توجد إلّاأحياناً.
وما دام هذا التتابع مجرّد صدفة مطّردة، دون أن يقوم على أساس علاقة ضرورة بين مفهومين، فهو يعبّر عن علاقة بين فردين بدلًا عن مفهومين، وبهذا يكون التتابع بين كلّ فرد من الحرارة وفردٍ من الحركة علاقةً مستقلّة نشأت على سبيل الصدفة بين الفردين، فسببيّة الحركة للحرارة- بالمفهوم التجريبي- تعبّر عن علاقات كثيرة بعدد ما يوجد من أفراد للحرارة والحركة، دون أن تستقطب كلّ تلك العلاقات علاقة رئيسية بين المفهومين كما يفترضه المفهوم العقلي للسببيّة.
وهكذا نعرف:
أوّلًا: أنّ السببية بالمفهوم العقلي: علاقة ضرورة، والسببيّة بالمفهوم التجريبي هي: اقتران أو تتابع بين الحادثتين بصورة مطّردة صدفة.
ثانياً: أنّ السببيّة بالمفهوم العقلي علاقة واحدة رئيسية بين مفهومين، والعلاقات بين أفراد هذا المفهوم وأفراد ذاك ارتباطات متلازمة تنشأ من تلك العلاقة الرئيسية. والسببيّة بالمفهوم التجريبي تتمثّل في علاقات بين الأفراد، وكلّ علاقة تتابع بين فرد من الحرارة وفرد من الحركة- مثلًا- هي علاقة مستقلّة عن علاقات التتابع بين الحرارات والحركات الاخرى.
ثالثاً: أنّ أفراد المفهوم الواحد متلازمة في علاقاتها السببيّة على أساس المفهوم العقلي للسببيّة، بمعنى أنّ أيّ فرد من أفراد ماهية معيّنة إذا كان سبباً لفرد من أفراد ماهية معيّنة اخرى، فمن الضروري أن يكون كلّ فرد من الماهيّة الاولى سبباً لفرد من الماهيّة الثانية، في ظلّ نفس الشروط التي كان الفرد الأوّل فيها