التجريبي أوّلًا، ونميّز بصورة دقيقة أيضاً بين السببية الوجودية والسببية العدميّة ثانياً.
السببيّة العقليّة والتجريبيّة:
إنّ السببية بالمفهوم العقلي هي علاقة بين مفهومين من المفاهيم التي تحدث في الطبيعة- كمفهومي (أ) و (ب)- تجعل وجود أحدهما ضرورياً عند وجود الآخر، فالأوّل هو المسبّب والثاني هو السبب.
والسببية بالمفهوم التجريبي هي: أنّ كلّ (أ) يعقبها أو يقارنها (ب) بصورة مطّردة، دون أن يفترض في هذا الاطّراد أيّ ضرورة.
وهذان المفهومان عن السببيّة يختلفان اختلافاً أساسياً؛ لأنّ المفهوم الأوّل يفسّر السببيّة بوصفها علاقة ضرورة ولزوم قائمة بين مفهومين (أو ماهيّتين)، فهي علاقة واحدة تربط مفهوماً بمفهوم آخر في وجوده كالعلاقة بين الحركة والحرارة.
وهذه العلاقة بين المفهومين يقوم على أساسها ارتباط كلّ فرد من أحد المفهومين بفردٍ من المفهوم الآخر، فهناك ارتباطات عديدة بين هذه الحرارة وهذه الحركة، وتلك الحرارة وتلك الحركة، ولكن كلّ هذه الارتباطات بين الحرارات والحركات متلازمة؛ لأنّها تنبع جميعاً من تلك العلاقة بين المفهومين، أي علاقة السببية القائمة بين ماهية الحرارة وماهية الحركة.
وأمّا المفهوم التجريبي للسببية فهو لا يعترف بعلاقة السببية، إلّابوصفها اطّراداً في التتابع أو الاقتران بين حادثتين، دون أن يضيف إلى هذا التتابع أو الاقتران أيّ فكرة عن الإيجاد والضرورة واللزوم. ومن الواضح أنّ رفض فكرة الضرورة واللزوم نهائياً يؤدّي إلى أنّ وجود أيّ حادثة يعتبر صدفة مطلقة دائماً (لأنّ الصدفة هي نفس اللزوم- كما عرفنا في القسم الأوّل من بحوث هذا