ولُالخّص في البداية ما أستهدفه في بحثي لهذه المرحلة:
إنّي اريد في هذا البحث أن اثبت أنّ الاستقراء يمكنه أن ينمي قيمة احتمال التعميم، ويرتفع بها إلى درجة عالية من درجات التصديق الاحتمالي، مستنبطاً ذلك من نفس نظرية الاحتمال- بتعريفنا المتقدّم لها- وبديهياتها، من دون حاجة إلى مصادرات إضافية يختصّ بها الدليل الاستقرائي، أي أنّ الاستقراء ليس إلّا تطبيقاً للاحتمال بتعريفه وبديهياته التي عرفناها، ويمكن عن طريقه إثبات التعميم الاستقرائي بقيمة احتمالية كبيرة جدّاً.
وطريقتي في تفسير هذه المرحلة الاستنباطية للدليل الاستقرائي على هذا الأساس، تتميّز عن المحاولات التي عالجت هذه المرحلة من الدليل الاستقرائي- في حدود ما اتيح لي الاطلاع عليه-.
فهناك مثلًا محاولة ل (لابلاس) في تفسير الدليل الاستقرائي اتّجهت إلى اعتباره تطبيقاً لنظرية الاحتمال، ولكنّها لم تنجح في تفسيره على هذا الأساس، ولم تكتشف مبرّراته المنطقيّة.
وهناك بحوث عجزت عن تفسير الاستقراء بوصفه تطبيقاً خالصاً لنظرية الاحتمال، واتّجهت إلى القول بأنّ الدليل الاستقرائي بحاجة إلى مصادرات خاصّة، ولا يمكنه أن يمارس مرحلته الاستنباطية بدون تلك المصادرات، ومن هذا القبيل بحوث (رسل) في الدليل الاستقرائي، وهذا هو الاتجاه الغالب الذي يمثّل- في أكبر الظنّ- الرأي السائد اليوم بين المفكّرين المعنيّين بدراسة الدليل الاستقرائي.
وسوف أبدأ بتوضيح الطريقة التي أتبنّاها في تفسير الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية، ثمّ اقارن- بعد هذا- بينها وبين الاتجاهات المعارضة التي تتمثّل في تلك البحوث.