حالاتٍ عديدةً من العمل ثبت أنّ العمل فيها أساس للملكية، فنستنتج من استقراء تلك الحالات صحة القاعدة العامة، إذ نرى- مثلًا- أنّ العمل في إحياء الأرض ينتج ملكيتها، والعمل في إحياء المعدن ينتج ملكيته، والعمل في حيازة الماء ينتج ملكيته، والعمل في اصطياد الطائر ينتج ملكيته فنستدلّ باستقراء هذه الحالات على قاعدةٍ عامةٍ في الاقتصاد الإسلامي، وهي: «أنّ العمل في الثروات الطبيعية أساس للملكية».
وموقفنا من الاستقراء يتلخّص في التمييز بين القطعي منه وغيره، فإذا كان قطعياً- أي أدّى الى القطع بالحكم الشرعي- فهو حجّة؛ لأنّه يصبح دليلًا قطعياً ويستمدّ حجّيته من حجّية القطع، وإذا لم يكن قطعياً فلا حجّية فيه مهما كانت قوة الاحتمال الناجمة عنه؛ لأنّنا عرفنا سابقاً أنّ كلّ دليلٍ غير قطعيٍّ ليس حجّةً ما لم يحكم الشارع بحجّيته، والشارع لم يحكم بحجّية الاستقراء الذي لا يؤدّي الى العلم.
القياس خطوة من الاستقراء:
وقد تؤخذ خطوة واحدة من خطوات الاستقراء ويكتفى بها في الاستدلال، كما إذا اكتفينا بحالةٍ واحدةٍ من الحالات التي أقام صاحب الحدائق عليها استقراءه وجعلنا منها دليلًا على كون الجاهل معذوراً في سائر الحالات الاخرى. ويسمّى هذا ب «القياس» عند أبي حنيفة وغيره من فقهاء السنّة الذين يكتفون في الاستدلال على ثبوت حكمٍ لموضوعٍ بثبوت حكمٍ من نفس النوع على موضوعٍ واحدٍ مشابهٍ له، ولا يكلِّفون أنفسهم بتتبّع موضوعاتٍ مشابهةٍ عديدةٍ واستقراء حالاتٍ كثيرة. فبينما كان الاستقراء يكلِّفنا بملاحظة حالاتٍ كثيرةٍ يعذر فيها الجاهل لكي نصل الى القاعدة العامة القائلة: «إنّ كلّ جاهلٍ معذور» لا يكلِّفنا