للإنسانية واستقرار اجتماعي لها، فهذا هو الرجاء الذي لا يتحقّق إلّاإذا تبدّل البشر إلى أجهزة ميكانيكية يقدِم على تنظيمها عِدّة من المهندسين الفنّيين.
وليست إقامة الإنسان على قاعدة ذلك الفهم المعنوي للحياة والإحساس الخلقي بها، عملًا شاقّاً وعسيراً؛ فإنّ الأديان في تأريخ البشرية قد قامت بأداء رسالتها الكبيرة في هذا المضمار، وليس لجميع ما يحفل به العالم اليوم من مفاهيم معنوية، وأحاسيس خُلُقية، ومشاعر وعواطف نبيلة تعليل أوضح وأكثر منطقية من تعليل ركائزها واسسها بالجهود الجبّارة التي قامت بها الأديان لتهذيب الإنسانية والدافع الطبيعي في الإنسان، وما ينبغي له من حياة وعمل.
وقد حمل الإسلام المشعل المتفجّر بالنور بعد أن بلغ البشر درجة خاصّة من الوعي، فبشّر بالقاعدة المعنوية والخُلُقية على أوسع نطاق وأبعد مدى، ورفع على أساسها راية إنسانية، وأقام دولة فكرية أخذت بزمام العالم ربع قرن، واستهدفت إلى توحيد البشر كلّه، وجمعه على قاعدة فكرية واحدة ترسم اسلوب الحياة ونظامها.
فالدولة الإسلامية لها وظيفتان: إحداهما تربية الإنسان على القاعدة الفكرية، وطبعه في اتّجاهه وأحاسيسه بطابعها، والاخرى مراقبته من خارج، وإرجاعه إلى القاعدة إذا انحرف عنها عملياً.
ولذلك فليس الوعي السياسي للإسلام وعياً للناحية الشكلية من الحياة الاجتماعية فحسب، بل هو وعي سياسي عميق، مردّه إلى نظرة كلّية كاملة نحو الحياة والكون والاجتماع والسياسة والاقتصاد والأخلاق، فهذه النظرة الشاملة هي الوعي الإسلامي الكامل.
وكلّ وعي سياسي آخر فهو إمّا أن يكون وعياً سياسياً سطحياً لا ينظر إلى العالم من زاوية معيّنة، ولا يقيم مفاهيمه على نقطة ارتكاز خاصّة، أو يكون وعيا