حياته، فجعله يؤمن بأنّ حياته منبثقة عن مبدأ مطلق الكمال، وأ نّها إعداد للإنسان إلى عالم لا عناء فيه ولا شقاء، ونصب له مقياساً خُلُقياً جديداً في كلّ خطواته وأدواره، وهو: رضا اللَّه تعالى. فليس كلّ ما تفرضه المصلحة الشخصية فهو جائز، وكلّ ما يؤدّي إلى خسارة شخصية فهو محرّم وغير مستساغ، بل الهدف الذي رسمه الإسلام للإنسان في حياته هو: الرضا الإلهي. والمقياس الخُلُقي الذي توزن به جميع الأعمال إنّما هو: مقدار ما يحصل بها من هذا الهدف المقدّس.
والإنسان المستقيم هو: الإنسان الذي يحقّق هذا الهدف. والشخصية الإسلامية الكاملة هي: الشخصية التي سارت في شتّى أشواطها على هدي هذا الهدف، وضوء هذا المقياس، وضمن إطاره العامّ.
وليس هذا التحويل في مفاهيم الإنسان الخُلُقية وموازينه وأغراضه يعني تغيير الطبيعة الإنسانية وإنشاءها إنشاءً جديداً، كما كانت تعني الفكرة الشيوعية.
فحبّ الذات- أي: حبّ الإنسان لذاته وتحقيق مشتهياتها الخاصّة- طبيعي في الإنسان، ولا نعرف استقراء في ميدان تجريبي أوضح من استقراء الإنسانية في تأريخها الطويل الذي يبرهن على ذاتية حبّ الذات، بل لو لم يكن حبّ الذات طبيعياً وذاتياً للإنسان لما اندفع الإنسان الأوّل- قبل كلّ تكوينة اجتماعية- إلى تحقيق حاجاته، ودفع الأخطار عن ذاته، والسعي وراء مشتهياته بالأساليب البدائية التي حفظ بها حياته وأبقى وجوده، وبالتالي خوض الحياة الاجتماعية والاندماج في علاقات مع الآخرين؛ تحقيقاً لتلك الحاجات ودفعاً لتلك الأخطار. ولما كان حبّ الذات يحتلّ هذا الموضع من طبيعة الإنسان، فأيّ علاج حاسم للمشكلة الإنسانية الكبرى يجب أن يقوم على أساس الإيمان بهذه الحقيقة. وإذا قام على فكرة تطويرها أو التغلّب عليها، فهو علاج مثالي لا ميدان له في واقع الحياة العملية التي يعيشها الإنسان.