جزءٌ من كيانه الخاصّ.
وهذه الاستعدادات التي تهيّئ الإنسان للالتذاذ بتلك المتع المتنوّعة، تختلف في درجاتها عند الأشخاص، وتتفاوت في مدى فعليّتها باختلاف ظروف الإنسان وعوامل الطبيعة والتربية التي تؤثّر فيه. فبينما نجد أنّ بعض تلك الاستعدادات تنضج عند الإنسان بصورة طبيعية، كاستعداده للالتذاذ الجنسي مثلًا، نجد أنّ ألواناً اخرى منها قد لا تظهر في حياة الإنسان، وتظلّ تنتظر عوامل التربية التي تساعد على نضجها وتفتّحها. وغريزة حبّ الذات من وراء هذه الاستعدادات جميعاً، تحدّد سلوك الإنسان وفقاً لمدى نضج تلك الاستعدادات.
فهي تدفع إنساناً إلى الاستئثار بطعام على آخر وهو جائع، وهي بنفسها تدفع إنساناً آخر لإيثار الغير بالطعام على نفسه؛ لأنّ استعداد الإنسان الأوّل للالتذاذ بالقيم الخُلُقية والعاطفية الذي يدفعه إلى الإيثار كان كامناً، ولم تتح له عوامل التربية المساعدة على تركيزه وتنميته. بينما ظفر الآخر بهذا اللون من التربية، فأصبح يلتذّ بالقيم الخُلُقية والعاطفية، ويضحّي بسائر لذّاته في سبيلها.
فمتى أردنا أن نغيّر من سلوك الإنسان شيئاً، يجب أن نغيّر من مفهوم اللذّة والمنفعة عنده، وندخل السلوك المقترح ضمن الإطار العامّ لغريزة حبّ الذات.
فإذا كانت غريزة حبّ الذات بهذه المكانة من دنيا الإنسان، وكانت الذات في نظر الإنسان عبارة عن طاقة مادّية محدودة، وكانت اللذّة عبارة عمّا تهيّئه المادّة من متع ومسرّات، فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بأنّ مجال كسبه محدود، وأنّ شوطه قصير، وأنّ غايته في هذا الشوط أن يحصل على مقدار من اللذّة المادّية. وطريق ذلك ينحصر بطبيعة الحال في عصب الحياة المادّية وهو: المال الذي يفتح أمام الإنسان السبيل إلى تحقيق كلّ أغراضه وشهواته.
هذا هو التسلسل الطبيعي في المفاهيم المادّية الذي يؤدّي إلى عقلية