الإدراك تفسيراً كاملًا- أن نؤمن بالعقل ودوره الإيجابي الفعّال وراء الانفعالات والاستجابات العصبية التي تثيرها المنبّهات.
ولنأخذ الإدراك الحسّي مثلًا، فقد أثبتت تجارب الجشطالت أنّ رؤيتنا لألوان الأشياء وخصائصها تعتمد إلى حدّ بعيد على الموقف العام الذي نجابهه في إبصارنا، وعلى الأرضية التي تحيط بتلك الأشياء، فقد نرى الخطّين متوازيين أو متساويين ضمن مجموعة من الخطوط، نواجهها كموقف وكلّ مترابط الأجزاء، ثمّ نراهما ضمن مجموعة اخرى غير متوازيين أو متساويين؛ لأنّ الموقف العام الذي يواجهه إدراكنا البصري اختلف عن الموقف السابق، وهذا يوضح: أنّ إدراكنا ينصبّ أوّلًا على الكلّ، وندرك الأجزاء بأبصارنا ضمن إدراكنا للكلّ، ولذا يختلف إدراكنا الحسّي للجزء باختلاف الكلّ أو المجموع الذي يندرج فيه.
فهناك- إذن- نظام للعلاقات بين الأشياء يفرزها إلى مجاميع، ويحدّد لكلّ شيء موضعه من مجموعته الخاصّة، ويطوّر نظرتنا إليه تبعاً للمجموعة التي ينتمي إليها، وإدراكنا للأشياء ضمن هذا النظام لا يقبل التفسير السلوكي، ولا يمكن القول: بأ نّه استجابة مادّية وحالة جسمية ناشئة من منبّه خاصّ؛ إذ لو كان حالة جسمية وظاهرة مادّية منبثقة عن الدماغ، لما اتيح لنا أن ندرك الأشياء بأبصارنا ككلّ منظّم ترتبط أجزاؤه ارتباطاً خاصّاً- حتّى إنّ إدراكنا لها يختلف إذا أبصرناها ضمن علاقات اخرى- لأنّ جميع ما يصل إلى الدماغ في الإدراك يتأ لّف من مجموعة من الرسائل ترد إلى المخّ من مختلف أعضاء الجسم مجزّأة ضمن عدد من الدوافع العصبية المتفرّقة، فكيف اتيح لنا أن ندرك نظام العلاقات بين الأشياء؟ وكيف اتيح للإدراك أن ينصبّ أوّلًا على الكلّ، فلا ندرك الأشياء إلّا ضمن كلّ مترابط بدلًا عن إدراك الأشياء متفرّقة كما تنتقل إلى الدماغ؟ كيف أمكن ذلك كلّه لو لم يكن هناك دور إيجابي فعّال للعقل وراء الانفعالات