وهوّته الفاصلة بين العقل والجسم.
وقد أدّت المشاكل التي تنجم عن تفسير الإنسان على أساس الروح والجسد معاً إلى بلورة اتّجاه حديث في التفكير الاوروبي إلى تفسير الإنسان بعنصر واحد، فنشأت المادّية في علم النفس الفلسفي القائلة: إنّ الإنسان مجرّد مادّة وليس غير، كما تولّدت النزعة المثالية التي تجنح إلى تفسير الإنسان كلّه تفسيراً روحياً.
وأخيراً، وَجَدَ تفسير الإنسان على أساس العنصرين الروحي والمادّي تصميمه الأفضل على يد الفيلسوف الإسلامي (صدر المتألّهين الشيرازي)، فقد استكشف هذا الفيلسوف الكبير حركة جوهرية في صميم الطبيعة، هي الرصيد الأعمق لكلّ الحركات الطارئة المحسوسة التي تزخر بها الطبيعة، وهذه الحركة الجوهرية هي الجسر الذي كشفه الشيرازي بين المادّة والروح؛ فإنّ المادّة في حركتها الجوهرية تتكامل في وجودها، وتستمرّ في تكاملها حتّى تتجرّد عن مادّيتها ضمن شروط معيّنة، وتصبح كائناً غير مادّي، أي: كائناً روحياً، فليس بين المادّي والروحي حدود فاصلة، بل هما درجتان من درجات الوجود والروح بالرغم من أ نّها ليست مادّية ذات نسب مادّي؛ لأنّها المرحلة العليا لتكامل المادّة في حركتها الجوهرية[1].
وفي هذا الضوء نستطيع أن نفهم العلاقة بين الروح والجسم، ويبدو من المألوف أن يتبادل العقل والجسم- الروح والمادّة- تأثيراتهما؛ لأنّ العقل ليس شيئاً مفصولًا عن المادّة بهوّة سحيقة كما كان يُخيّل لديكارت حين اضطرّ إلى إنكار التأثير المتبادل والقول بمجرّد الموازنة، بل إنّ العقل نفسه ليس إلّاصورة
[1] يراجع شرح الهداية الأثيريّة لصدر الدين الشيرازي: 214- 218