الميتافيزيقي للإدراك.
وقد يخطر هنا على بعض الأذهان أنّ مسألة إدراك الصورة في أشكالها، وحجومها، وأبعادها، ومسافاتها، قد أجاب عليها العلم، وعالجتها البحوث السيكولوجية؛ إذ أوضحت أنّ هناك عدّة عوامل بصرية وعضلية تساعدنا على إدراك تلك الخصائص الهندسية.
فحاسّة البصر لا تدرك سوى الضوء واللون، وأمّا إدراك الخصائص الهندسية للأشياء، فهو يتوقّف على ارتباط اللمس بحركات وأحاسيس خاصّة.
فلو جرّدنا الإحساس البصري عن كلّ إحساس آخر، لبدت لنا نقاط من الضوء واللون فحسب، ولما اتيح لنا إدراك الأشكال والحجوم، حتّى إنّا كنّا نعجز عن التمييز بين كرة ومكعّب؛ وذلك لأنّ الكيفيات الأوّلية والأشكال من مدركات اللمس، وبتكرار التجربة اللمسية ينشأ تقارن بين مدركات اللمس من تلك الكيفيات، وبين عدّة من الإحساسات البصرية كاختلافات خاصّة في الأضواء والألوان المبصرة، وعدّة من الحركات العضلية كحركة تكييف العين لرؤية الأشياء القريبة والبعيدة، وحركة التلاقي في حالة الإبصار بالعينين. وبعد أن ينشأ هذا التقارن يمكننا أن نستغني في إدراك الحجوم والأشكال عن الإحساسات اللمسية بما اقترن بها من إحساسات وحركات عضلية. فإذا أبصرنا كرة بعد هذا، استطعنا أن نحدّد شكلها وحجمها دون أن نلمسها، اعتماداً على الإحساسات والحركات العضلية التي اقترنت بمدركات اللمس.
وهكذا ندرك أخيراً الأشياء بخصائصها الهندسية، لا بالإحساس البصري فحسب، بل بالإبصار مع ألوان اخرى من حركات حسّية، أصبحت ذات مدلول هندسي بسبب اقترانها بمدركات اللمس، غير أنّ العادة لا تجعلنا نشعر بذلك.
ونحن لا نريد أن ندرس نظرية العوامل العضلية والبصرية من ناحية علمية؛