عن عملية التوالد الذاتي إلى الأبد، بمعنى: أنّ التفسير المادّي لخلية الحياة الاولى بالتوالد الذاتي لو كان صحيحاً فكيف يمكن للمادّية أن تعلّل عدم حدوث التوالد الذاتي مرّة اخرى في الطبيعة على مرّ الزمن منذ الآماد البعيدة؟!
والواقع: أ نّه سؤال محيّر للمادّية، ومن الطريف أن يجيب عليه العالم السوفياتي (اوبارين) قائلًا: إذا كان بعث الحياة عن طريق التفاعل المادّي الطويل الأمد لا يزال ممكناً في كواكب اخرى غير كوكبنا- يعني الأرض- ففي هذا الكوكب لم يعد له مكان، ما دام هذا البعث أصبح يحدث عن طريق أسرع وأقرب، وهو طريق التوالد البشري الزواجي؛ ذلك لأنّ التفاعل الجديد حلّ محلّ التفاعل البدائي البيولوجي والكيمي، وجعله غير ذي لزوم[1].
هذا هو كلّ جواب (اوبارين) على المشكلة، وهو جواب غريب حقّاً.
فانظر إليه كيف يجعل استغناء الطبيعة عن عملية التوليد الذاتي بسبب أ نّها عملية لا لزوم لها، بعد أن وجدت الطريق الأسرع والأقرب إلى إنتاج الحياة، كأ نّه يتكلّم عن قوّة عاقلة واعية تترك عملية شاقّة بعد أن تهيّأ لها الوصول إلى الهدف من طريق أيسر. فمتى كانت الطبيعة تترك نواميسها وقوانينها لأجل ذلك؟! وإذا كان التولّد الذاتي قد جرى أوّل الأمر طبقاً لقوانين ونواميس معيّنة، كما يتولّد الماء من التركيب الكيميائي الخاصّ بين الاوكسجين والهيدروجين، فمن الضروري أن يتكرّر طبقاً لتلك القوانين والنواميس، كما يتكرّر وجود الماء متى وجدت العوامل الكيميائية الخاصّة، سواءٌ كان للماء لزوم أم لا؛ إذ ليس اللزوم في عرف الطبيعة إلّاالضرورة المنبثقة عن قوانينها ونواميسها، فبأيّ سبب اختلفت تلك القوانين والنواميس؟!
[1] قصّة الإنسان: 10