فما هو السبب الذي جعل تطوّر الهيدروجين إلى هليوم مقتصراً على كمّية معيّنة، وأطلق الباقي من أسر هذا التطوّر الجبري؟!
وليس التفسير الديالكتي للمركّبات أدنى إلى التوفيق من تفسير الديالكتيك للعناصر البسيطة. فالماء إذا كان قد وجد طبقاً لقوانين الديالكتيك، فمعنى ذلك:
أنّ الهيدروجين يعتبر إثباتاً، وأنّ هذا الإثبات يثير نفي نفسه بتوليده للُاوكسجين، ثمّ يتّحد النفي والإثبات معاً في وحدة هي الماء، أو أن نعكس الاعتبار، فنفرض الاوكسجين إثباتاً، والهيدروجين نفياً، والماء هو الوحدة التي انطوت على النفي والإثبات معاً، وحصلت نتيجة تكاملية للصراع الديالكتي بينهما، فهل يمكن للديالكتيك أن يوضح لنا: أنّ هذا التكامل الديالكتيكي لو كان يتمّ بصورة ذاتية وديناميكية، فلماذا اختصّ بكمّية معيّنة من العنصرين، ولم يحصل في كلّ هيدروجين واوكسجين؟؟
ولا نريد بهذا أن نقول: إنّ اليد الغيبية هي التي تباشر كلّ عمليات الطبيعة وتنوّعاتها، وأنّ الأسباب الطبيعية لا موضع لها من الحساب، وإنّما نعتقد أنّ تلك التنوّعات والتطوّرات ناشئة من عوامل طبيعية خارج المحتوى الذاتي للمادّة، وهذه العوامل تتسلسل حتّى تصل في نهاية التحليل الفلسفي إلى مبدأ وراء الطبيعة، لا إلى المادّة ذاتها.
والنتيجة هي: أنّ وحدة المادّة الأصيلة للعالم التي برهن عليها العلم من ناحية، وتنوّعاتها واتّجاهاتها المختلفة التي دلّ العلم على أ نّها عرضية وليست ذاتية من ناحية اخرى، تكشف عن السرّ في المسألة الفلسفية، وتوضح: أنّ السبب الأعلى لكلّ هذه التنوّعات والاتّجاهات، لا يكمن في المادّة ذاتها، بل في سبب فوق حدود الطبيعة، ترجع إليه العوامل الطبيعية الخارجية التي تعمل على تنويع المادّة وتحديد اتّجاهاتها.