انتهينا من الجزء السابق إلى نتيجة، هي: أنّ المردّ الأساسي الأعمق للكون والعالم- بصورة عامة- هو العلّة الواجبة بالذات التي ينتهي إليها تسلسل الأسباب. والمسألة الجديدة هي: أنّ هذه العلّة الواجبة بالذات التي تعتبر الينبوع الأوّل للوجود، هل هي المادّة نفسها، أو شيء آخر فوق حدودها؟ وبالصيغة الفلسفية للسؤال نقول: إنّ العلّة الفاعلية للعالم، هل هي نفس العلّة المادّية أو لا؟
ولأجل التوضيح نأخذ مثالًا، وليكن هو الكرسي. فالكرسي عبارة عن صفة أو هيئة خاصّة، تحصل من تنظيم عدّة أجزاء مادّية تنظيماً خاصّاً، ولذلك فهو لا يمكن أن يوجد دون مادّة من خشب أو حديد ونحوهما. وبهذا الاعتبار يُسمّى الخشب علّة مادّية للكرسي الخشبي؛ لأنّه لم يكن من الممكن أن يوجد الكرسي الخشبي من دون الخشب. ولكن من الواضح جدّاً: أنّ هذه العلّة المادّية ليست هي العلّة الحقيقية التي صنعت الكرسي؛ فإنّ الفاعل الحقيقي للكرسي شيء غير مادّته، وهو النجّار. ولذا تطلق الفلسفة على النجّار اسم العلّة الفاعلية. فالعلّة الفاعلية للكرسي ليست هي نفس علّته المادّية من الخشب او الحديد. فإذا سُئلنا عن مادّة الكرسي، أجبنا أنّ مادّته هي الخشب، وإذا سئلنا عن الصانع له (العلّة الفاعلية)، لم نجب بأ نّه الخشب، وإنّما نقول: إنّ النجّار صنعه بآلاته ووسائله