سؤال: لماذا وجد؟ أمام كلّ حقيقة من الحقائق التي نعاصرها في هذا الكون.
وعلى ضوء هذه النظرية يصبح مبدأ العلّية مقتصراً على الحوادث خاصّة. فإذا كان الشيء موجوداً بصورة مستمرّة ودائمة، ولم يكن حادثاً بعد العدم، فلا توجد فيه حاجة إلى السبب، ولا يدخل في النطاق الخاصّ لمبدأ العلّية.
وهذه النظرية أسرفت في تحديد العلّية، كما أسرفت النظرية السابقة في تعميمها، وليس لها ما يبرّرها من ناحية فلسفية. فمردّ الحدوث في الحقيقة إلى وجود الشيء بعد العدم، كوجود السخونة في ماء لم يكن ساخناً، ولا يفترق لدى العقل أن توجد هذه السخونة بعد العدم، وأن تكون موجودة بصورة دائمة؛ فإنّه يتطلّب على كلّ حال سبباً خاصّاً لها. فالصعود بعمر الشيء وتأريخه إلى أبعد الآماد، لا يبرّر وجوده، ولا يجعله مستغنياً عن العلّة.
وبكلمة اخرى: أنّ وجود السخونة الحادثة، لمّا كان بحاجة إلى سبب، فلا يكفي لتحريره من هذه الحاجة أن نمدّده؛ لأنّ تمديده سوف يجعلنا نصعد بالسؤال عن العلّة مهما اتّسعت عملية التمديد.
ج، د- نظرية الإمكان الذاتي، والإمكان الوجودي:
وهاتان النظريتان تؤمنان بأنّ الباعث على حاجة الأشياء إلى أسبابها، هو الإمكان. غير أنّ لكلّ من النظريتين مفهومها الخاصّ عن الإمكان، الذي تختلف به عن الاخرى، وهذا الاختلاف بينهما مظهر لاختلاف فلسفي أعمق حول الماهية والوجود، وحيث إنّ حدود هذا الكتاب لا تسمح بالتحدّث عن ذلك الاختلاف وتمحيصه، فسوف نقتصر على نظرية الإمكان الوجودي في مسألتنا؛ نظراً إلى ارتكازها على الرأي القائل بأصالة الوجود (أي: الرأي الصحيح في