المشكلة، إنّما هو: مبدأ العلّية[1]، باعتباره دليلًا على تعميم الاستنتاج وشموله. فلو افترضنا أنّ مبدأ العلّية نفسه مرتكز على التجربة، فمن الضروري أن نواجه مشكلة العموم والشمول مرّة اخرى؛ نظراً إلى أنّ التجربة ليست مستوعِبة للكون، فكيف تعتبر دليلًا على نظرية عامّة؟! وقد كنّا نحلّ هذه المشكلة- حين نواجهها في مختلف النظريات العلمية- بالاستناد إلى مبدأ العلّية، بصفته الدليل الكافي على عموم النتيجة وشمولها. وأمّا إذا اعتبر نفس هذا المبدأ تجريبياً، وواجهنا المسألة فيه، فسوف نعجز نهائياً عن الجواب عليه. فلا بدّ- إذن- أن يكون مبدأ العلّية فوق التجربة، وقاعدة أساسية للاستنتاجات التجريبية عامّة.
ج- أنّ مبدأ العلّية لا يمكن الاستدلال على ردّه بأيّ لون من ألوان الاستدلال؛ لأنّ كلّ محاولة من هذا القبيل تنطوي ضمناً على الاعتراف به، فهو- إذن- ثابت بصورة متقدّمة على جميع الاستدلالات التي يقوم بها الإنسان.
وخلاصة هذه النتائج: أنّ مبدأ العلّية ليس مبدأً تجريبياً، وإنّما هو مبدأ عقلي ضروري.
وعلى هذا الضوء يمكننا أن نضع الحدّ الفاصل بين الميكانيكية والديناميكية، وبين مبدأ العلّية ومبدأ الحرّية؛ فإنّ التفسير الميكانيكي للعلّية كان يقوم على أساس اعتبارها مبدأً تجريبياً، فهي ليست في رأي الميكانيكية المادّية إلّارابطة مادّية، تقوم بين ظواهر مادّية في الحقل التجريبي، وتستكشف بالوسائل العلمية. ولأجل ذلك كان من الطبيعي أن تنهار العلّية
[1] بل الحلّ الوحيد لها- حسب ما انتهى إليه السيّد المؤلّف رحمه الله في كتابه« الاسس المنطقيّة للاستقراء»- هو الإيمان بطريقة التوالد الذاتي للمعرفة، كما أشرنا إليه سابقاً.( لجنة التحقيق)