الراديوم، فنقول: ما دامت جميع ذرّات هذا العنصر متّفقة في الحقيقة، فيجب أن تتّفق في أسبابها ونتائجها، فإذا كشفت التجربة العلمية عن إشعاع في بعض ذرّات الراديوم، أمكن القول باعتباره ظاهرة عامة لسائر الذرّات المماثلة في الظروف المشخّصة الواحدة.
ومن الواضح: أنّ القانونين الأخيرين: الحتمية والتناسب، منبثقان عن مبدأ العلّية، فلو لم تكن في الكون علّية بين بعض الأشياء وبعض، وكانت الأشياء تحدث صدفة واتّفاقاً، لم يكن من الحتمي أن يوجد الإشعاع بدرجة معيّنة حين تكون هناك ذرّة راديوم، ولم يكن من الضروري- أيضاً- أن تشترك جميع ذرّات العنصر في ظواهر إشعاعية معيّنة، بل يصبح من الجائز أن يكون الإشعاع في ذرّة دون اخرى، لا لشيء إلّاللصدفة والاتّفاق، ما دام مبدأ العلّية خارجاً عن حساب الكون. فمردّ الحتمية والتناسب معاً إلى مبدأ العلّية.
ولنعد الآن- بعد أن عرفنا الفقرات الرئيسية الثلاث: العلّية، والحتمية، والتناسب- إلى العلوم والنظريات العلمية، فإنّنا سوف نجد بكلّ وضوح: أنّ جميع النظريات والقوانين التي تزخر بها العلوم، مرتكزة في الحقيقة على اساس تلك الفقرات الرئيسية، وقائمة على مبدأ العلّية وقوانينها. فلو لم يؤخذ هذا المبدأ كحقيقة فلسفية ثابتة، لما أمكن أن تقام نظرية، ويشاد قانون علمي له صفة العموم والشمول؛ ذلك أنّ التجربة التي يقوم بها العالم الطبيعي في مختبره، لا يمكن أن تستوعب جميع جزئيات الطبيعة، وإنّما تتناول عدّة جزئيات محدودة متّفقة في حقيقتها، فتكشف عن اشتراكها في ظاهرة معيّنة، وحيث يتأكّد العالم من صحّة التجربة ودقّتها وموضوعيتها، يضع فوراً نظريته أو قانونه العام الشامل لجميع ما يماثل موضوع تجربته من أجزاء الطبيعة. وهذا التعميم الذي هو شرط أساسي