إنّ من أوّليات ما يدركه البشر في حياته الاعتيادية، (مبدأ العلّية) القائل:
إنّ لكلّ شيء سبباً. وهو من المبادئ العقلية الضرورية[1]؛ لأنّ الإنسان يجد في صميم طبيعته الباعث الذي يبعثه إلى محاولة تعليل ما يجد من أشياء، وتبرير وجودها باستكشاف أسبابها. وهذا الباعث موجود بصورة فطرية في الطبيعة الإنسانية، بل قد يوجد عند عدّة أنواع من الحيوان أيضاً. فهو يلتفت إلى مصدر الحركة غريزياً؛ ليعرف سببها، ويفحص عن منشأ الصوت؛ ليدرك علّته. وهكذا يواجه الإنسان- دائماً- سؤال: لماذا …؟ مقابل كلّ وجود وظاهرة يحسّ بهما، حتّى إنّه إذا لم يجد سبباً معيّناً، اعتقد بوجود سبب مجهول انبثق عنه الحادث.
[1] أشرنا سابقاً إلى أنّ السيّد المؤلّف قدس سره توصّل في كتابه( الاسس المنطقيّة للاستقراء) إلى إمكان الاستدلال على قوانين العلّيّة بالطريقة الاستقرائيّة في ضوء المذهب الذاتي للمعرفة، حتّى لو استبعدنا العلم العقلي القبلي بها. راجع مناقشته رحمه الله للاتّجاه الأوّل من اتّجاهات المذهب التجريبي في الكتاب المذكور.( لجنة التحقيق)