والحيوان، فسوف لن نصل إلى نتيجة ديالكتيكية أيضاً؛ لأنّ الصراع بين البيئة والجهاز العضوي لا يسفر عن التحامهما وتوحّدهما في مركّب أرقى، وإنّما تظلّ الاطروحة والطباق دون تركيب. فالضدّان المتصارعان هنا- البيئة والحيوان- وإن كانا موجودين معاً في نهاية المعركة، ولا يضمحلّ أحدهما خلال الصراع، ولكنّهما لا يتوحّدان في مركّب جديد كما تتوحّد الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة في مركّب اجتماعي جديد.
وأخيراً، فأين الدفعية؟ وأين التكامل في التطوّر البيولوجي عند داروين؟
فإنّ الديالكتيك يؤمن بأنّ التحوّلات الكيفية تحصل بصورة دفعية خلافاً للتغيّرات الكمّية التي تنمو ببطء، كما أ نّه يؤمن أنّ الحركة في اتّجاه متكامل وصاعد دائماً، ونظرية داروين أو فكرة التطوّر البيولوجي تبرهن على إمكان العكس تماماً، فقد بيّن علماء البيولوجيا: بأنّ في الطبيعة الحيّة حالات انتقال تدريجية، كما أنّ فيها حالات انتقال بشكل قفزات مفاجئة[1] كما أنّ التفاعل الذي يحدّده داروين بين الكائن الحيّ والطبيعة ليس من الضروري فيه أن يضمن تكامل الكائن المتطوّر، بل قد يفقد بسبب ذلك شيئاً ممّا كان قد حصل عليه من الكمال طبقاً للقوانين التي يحدّدها في نظريّته للتفاعل بين الحياة والطبيعة، كالحيوانات التي اضطرّت منذ أبعد الآماد إلى العيش في الكهوف وترك حياة النور، ففقدت بصرها في رأي داروين بسبب تفاعلها بمحيطها الخاصّ، وعدم استعمالها لعضو الإبصار في مجالاتها المعيشية، وبذلك أدّى التطوّر في التركيب العضوي إلى الانحطاط، خلافاً للماركسية التي تعتقد أنّ العمليات التطوّرية المترابطة في الطبيعة المنبثقة عن تناقضات داخلية تستهدف التكامل دائماً؛ لأنّها عمليات تقدّمية صاعدة.
[1] الروح الحزبية في الفلسفة والعلوم: 44