تمثّل الطابع الديالكتي له، واقيم على أساس فلسفي متين من مبدأ العلّية وقوانينها (التي خصّصنا الجزء الثالث من هذه المسألة لدراستها)؟!
فإنّ الحوادث في النظرة العامة للكون، لا تعدو أحد أشكال ثلاثة:
فإمّا أن تكون مجموعة من الصدف المتراكمة، بمعنى: أنّ كلّ حادثة توجد باتّفاق بحت دون أن تكون هناك أيّ ضرورة تدعو إلى وجودها. وهذه هي النظرة الاولى.
وإمّا أن تكون أجزاء الطبيعة ضرورية، ضرورة ذاتية، فكلّ واحد منها يوجد بسبب من ضرورته الذاتية دون احتياج إلى شيء خارجي، أو تأثّر به.
وهذه هي النظرة الثانية.
وكلتا هاتين النظرتين لا تنسجمان مع مبدأ العلّية القائل: إنّ كلّ حادثة ترتبط في وجودها بأسبابها، وشروطها الخاصّة؛ لأنّ هذا المبدأ يرفض الصدفة والاتّفاق، كما يرفض الضرورة الذاتية للحوادث. وبالتالي يعيّن نظرة اخرى نحو العالم، وهي النظرة التي يعتبر فيها العالم مرتبطاً ارتباطاً كاملًا طبقاً لمبدأ العلّية وقوانينها، ويحتلّ كلّ جزء منه موضعه الخاصّ من الكون الذي تحتّمه شرائط وجوده وقافلة أسبابه. وهذه هي النظرة الثالثة التي تقيم الميتافيزيقية على أساسها فهمها للعالم. ولأجل ذلك كان سؤال: لماذا وجد؟ أحد الأسئلة الأربعة[1] التي
[1] والأسئلة الأربعة هي كما يلي: ما هو؟ وهل هو موجود؟ وكيف هو؟ ولماذا وجد؟ ولأجل الإيضاح نطبّق هذه الأسئلة على إحدى الظواهر الطبيعية. فلنأخذ الحرارة لمواجهة هذه الأسئلة فيها: ما هي الحرارة؟ ونعني بهذا السؤال: محاولة شرح مفهومها الخاصّ، فنجيب على ذلك- مثلًا-: أنّ الحرارة نوع من أنواع الطاقة.
وهل الحرارة موجودة في الطبيعة؟ ونجيب بالإيجاب طبعاً.
وكيف هي، أي: ما هي ظواهرها وخواصّها؟ وهذا ما تجيب عنه الفيزياء، فيقال- مثلًا- بأنّ من خواصّها التسخين، والتمديد، والتقليص، وتغيير بعض الصفات الطبيعية للمادّة …
وأخيراً فلماذا وجدت الحرارة؟ ومردّ هذا السؤال إلى الاستفهام، عن عوامل الحرارة وعللها، والشروط الخارجية التي ترتبط بها، فيجاب عنه- مثلًا- أنّ الطاقة الحرارية تستوردها الأرض من الشمس، وتنبثق عنها …
وبهذا تعرف: أنّ المنطق الميتافيزي وضع مسألة ارتباط الشيء بأسبابه وظروفه في مصاف المسائل الرئيسية الاخرى التي تتناول حقيقته ووجوده وخواصّه.( المؤلّف قدس سره)، يراجع شرح المنظومة 1: 183، و 2: 331