يدرسه من وجهة نظر تأريخية، من حيث هو عملية نموّ تطوّرية، إنّه يطابق التأريخ العامّ للمعرفة، يطابق تأريخ العلوم»[1].
ولا ريب أنّ الفكر والإدراك يصوّر الواقع الموضوعي لوناً من ألوان التصوير، ولكن هذا لا يعني أن تنعكس فيه حركة الواقع الموضوعي، فينمو ويتحرّك تبعاً له؛ وذلك:
أوّلًا: أنّ عالم الطبيعة- عالم التغيّر، والتجدّد، والحركة- يحتوي حتماً على قوانين عامّة ثابتة. وهذا ما لا يمكن لأيّ منطق إنكاره، إلّاإذا أنكر نفسه؛ لأنّ المنطق لا يمكن أن يكون منطقاً إلّاإذا أقام طريقته في التفكير، وفهم العالم على قوانين معيّنة ثابتة، وحتّى الديالكتيك يعتبر عدّة قوانين تسيطر على الطبيعة وتتحكّم فيها بصورة دائمة، ومنها قانون الحركة. فعالم الطبيعة- إذن- سواءٌ صحّ عليه المنطق البشري العامّ، أم منطق الديالكتيك والجدل، توجد فيه قوانين ثابتة تعكس حقائق ثابتة في دنيا الفكر وحقل المعرفة البشرية.
و الديالكتيكيون إزاء هذا الاعتراض بين أمرين: إمّا أن يعتبروا قانون الحركة ثابتاً ودائماً، فقد وجدت الحقيقة الدائمة إذن. وإمّا أن يكون نفس هذا القانون متغيّراً، فمعنى هذا: أنّ الحركة ليست دائمة، وأ نّها قد تتبدّل إلى ثبات، وتعود الحقائق ثابتة بعد أن كانت متحرّكة. وعلى كلا الحالين يكون الديالكتيك مرغماً على الاعتراف بوجود حقيقة ثابتة.
ثانياً: أنّ الفكر أو الإدراك أو الحقيقة لا تعكس الخصائص الواقعية للطبيعة، فقد سبق أن أوضحنا في (نظرية المعرفة) أنّ الذهن البشري يدرِك من
[1] المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي: 12