إنّ الجدل كان يعني في المنطق الكلاسيكي طريقة خاصّة في البحث، واسلوباً من أساليب المناظرة التي تطرح فيها المتناقضات الفكرية ووجهات النظر المتعارضة، بقصد أن تحاول كلّ واحدة منها أن تظهر ما في نقيضها من نقاط الضعف ومواطن الخطأ على ضوء المعارف المسلّمة والقضايا المعترف بها سلفاً.
وهكذا يقوم الصراع بين النفي والإثبات في ميدان البحث والجدل حتّى ينتهي إلى نتيجة تتقرّر فيها إحدى وجهات النظر المتصارعة، أو تنبثق عن الصراع الفكري بين المتناقضات وجهة رأي جديدة توفّق بين الوجهات كلّها، بعد إسقاط تناقضاتها، وإفراز نقاط الضعف من كلّ واحدة منها.
ولكنّ الجدل في الديالكتيك الجديد، أو الجدل الجديد، لم يعد منهجاً في البحث واسلوباً لتبادل الآراء، بل أصبح طريقة لتفسير الواقع، وقانوناً كونياً عاماً ينطبق على مختلف الحقائق وألوان الوجود. فالتناقض ليس بين الآراء ووجهات النظر فحسب، بل هو ثابت في صميم كلّ واقع وحقيقة، فما من قضية إلّاوهي تنطوي في ذاتها على نقيضها ونفيها.
وكان (هيجل) أوّل من أشاد منطقاً كاملًا على هذا الأساس، فكان التناقض الديالكتيكي هو النقطة المركزية في ذلك المنطق، والقاعدة الأساسية التي يقوم