الأزمة تحدث حتماً»[1].
وهذا لون جديد يتّخذه الماركسيون للردّ على المثالية، ف (جورج) لا يستند في هذا النصّ إلى حقائق علمية، وإنّما يركّز استدلاله على حقائق وجدانية، نظراً إلى أنّ كلّ واحد منّا يشعر بوجدانه أ نّه لا يتمنّى كثيراً من الحوادث التي تحدث، ولا يرغب في وجودها، ومع ذلك هي تحدث وتوجد خلافاً لرغبته، فلا بدّ- إذن- أن يكون للحوادث وتسلسلها المطّرد واقع موضوعي مستقلّ.
وليست هذه المحاولة الجديدة بأدنى إلى التوفيق من المحاولات السابقة؛ لأنّ المفهوم المثالي- الذي ترجع فيه الأشياء جميعاً إلى مشاعر وإدراكات- لا يزعم أنّ هذه المشاعر والإدراكات تنبثق عن اختيار الناس وإراداتهم المطلقة، ولا تتحكّم فيها قوانين ومبادئ عامّة، بل المثالية والواقعية متّفقتان على أنّ العالم يسير طبقاً لقوانين ومبادئ تجري عليه وتتحكّم فيه، وإنّما يختلفان في تفسير هذا العالم واعتباره ذاتياً موضوعياً.
والنتيجة التي نؤكّد عليها مرّة اخرى هي: أنّ من غير الممكن إعطاء مفهوم صحيح للفلسفة الواقعية، والاعتقاد بواقعية الحسّ والتجربة إلّاعلى أساس المذهب العقلي القائل بوجود مبادئ عقلية ضرورية مستقلّة عن التجربة. وأمّا إذا بدأنا البحث في مسألة المثالية والواقعية من التجربة أو الحسّ- اللذين هما مورد النزاع الفلسفي بين المثاليين والواقعيين-، فسوف ندور في حلقة مفرغة، ولا يمكن أن نخرج منها بنتيجة في صالح الواقعية الفلسفية[2].
[1] المادّية والمثالية في الفلسفة: 68
[2] أشرنا في ما سبق أنّ السيّد المؤلّف قدس سره بعد أن توصّل إلى« المذهب الذاتي للمعرفة» في– مقابل« المذهب العقلي» و« المذهب التجريبي» وآمن بأنّ التعميمات الاستقرائيّة لا يمكن تفسيرها إلّافي ضوء هذا المذهب، توجّه إلى الاعتقاد بأنّ الجزء الأكبر من معارفنا يمكن تفسيره على هذا الأساس. ومن جملة المعارف التي فسّرها على الأساس المذكور الإيمان بموضوعيّة القضايا المحسوسة، فقال:« والحقيقة أنّ افتراض موضوعيّة الحادثة ليس افتراضاً دون مبرّر كما تقوله المثاليّة، وليس أيضاً افتراضاً أوّليّاً ومعرفةً أوّليّة كما يقول المنطق الأرسطي، بل هو افتراض مستدلّ ومستنتج حسب مناهج الدليل الاستقرائي، كالقضايا التجريبيّة، والحدسيّة، والمتواترة تماماً» وفي ضوء ذلك أيضاً اعتبر الاعتقاد بوجود الواقع الموضوعي للعالم معبّراً عن معرفةٍ استقرائيّةٍ ناتجةٍ من تجميع القيم الاحتماليّة المتعدّدة بالواقع الموضوعي للقضايا المحسوسة، ولهذا كان التصديق بأصل وجود واقع موضوعي للعالم على الإجمال أكبر درجةً من التصديق بموضوعيّة أيّ قضيّةٍ محسوسةٍ بمفردها. وقد وضّح ذلك بالتفصيل في القسم الرابع من كتابه« الاسس المنطقيّة للاستقراء» تحت عنوان:« تفسير القضيّة المحسوسة».( لجنة التحقيق)