نظرية المعرفة في فلسفتنا
والآن نستطيع أن نستخلص- من دراسة المذاهب السابقة ونقدها- الخطوط العريضة لمذهبنا في الموضوع، وتتلخّص فيما يأتي:
الخطّ الأوّل- أنّ الإدراك البشري على قسمين: أحدهما التصوّر، والآخر التصديق. وليس للتصوّر بمختلف ألوانه قيمة موضوعية؛ لأنّه عبارة عن وجود الشيء في مداركنا، وهو لا يبرهن- إذا جرّد عن كلّ إضافة- على وجود الشيء موضوعياً خارج الإدراك، وإنّما الذي يملك خاصّة الكشف الذاتي عن الواقع الموضوعي هو التصديق أو المعرفة التصديقية. فالتصديق هو الذي يكشف عن وجود واقع موضوعي للتصوّر.
الخطّ الثاني- أنّ مردّ المعارف التصديقية جميعاً إلى معارف أساسية ضرورية، لا يمكن إثبات ضرورتها بدليل أو البرهنة على صحّتها، وإنّما يشعر العقل بضرورة التسليم بها والاعتقاد بصحّتها، كمبدأ عدم التناقض ومبدأ العلّية والمبادئ الرياضية الأوّلية[1]، فهي الأضواء العقلية الاولى، وعلى هدي تلك
[1] أشرنا سابقاً إلى أ نّه رحمه الله قد انتهى في كتابه« الاسس المنطقيّة للاستقراء» إلى إمكان الاستدلال على القضايا الأوّليّة والفطريّة بالدليل الاستقرائي في ضوء المذهب الذاتي للمعرفة، واستثنى من ذلك مبدأ عدم التناقض ومصادرات الدليل الاستقرائي، وفي نفس الوقت أكّد أنّ هذا لا يعني رفض المصدر العقلي القبلي لهذه القضايا، بل إنّما يعني أ نّنا حتّى لو استبعدنا العلم العقلي القبلي بها يظلّ بالإمكان إثباتها عن طريق الاستقراء. راجع: القسم الرابع من كتاب« الاسس المنطقيّة للاستقراء» تحت عنوان« تفسير القضيّة الأوّليّة والقضيّة الفطريّة».( لجنة التحقيق)