وأمّا الأحكام التركيبية الثانوية فهي الأحكام التي تعالج موضوعات تجريبية، كموضوعات العلوم الطبيعية التي تدخل في الميدان التجريبي، ولذلك صارت ثانوية باعتبار احتياجها إلى التجربة، ومن الواضح: أنّ مواضيع الميتافيزيقا ليست تجريبية، فلا يمكن أن يتكوّن فيها حكم تركيبي ثانوي، ولا يبقى للميتافيزيقا بعد ذلك متّسع إلّاللأحكام التحليلية، أي: الشروح والتفاسير للمفاهيم الميتافيزيقية، وهذه الأحكام ليست من المعرفة الحقيقية بشيء، كما عرفنا سابقاً.
والنتيجة التي يخلص إليها (كانت) من ذلك:
أوّلًا- أنّ أحكام العلوم الرياضية أحكام تركيبية أوّلية وهي ذات قيمة مطلقة.
ثانياً- أنّ الأحكام التي تقوم على أساس التجربة في العلوم الطبيعية، أحكام تركيبية ثانوية، والحقيقة فيها لا يمكن أن تكون أكثر من حقيقة نسبية.
ثالثاً- أنّ موضوعات الميتافيزيقا لا يمكن أن توجد فيها معرفة عقلية صحيحة، لا على أساس الأحكام التركيبية الأوّلية ولا على أساس الأحكام التركيبية الثانوية.
والنقطة الرئيسية في نظرية (كانت) هي: أنّ الإدراكات العقلية الأوّلية ليست علوماً قائمة بنفسها ذات وجود مستقلّ عن التجربة، بل هي روابط تساعد على تنظيم الأشياء ووصلها بعضها ببعض. فدورها الوحيد هو: أ نّها تجعلنا ندرك الأشياء التجربية في إطاراتها الخاصّة.
ويترتّب على ذلك طبيعياً إلغاء الميتافيزيقا؛ لأنّ تلك الإدراكات الأوّلية ليست علوماً بل هي روابط، ولأجل أن تكون علماً تحتاج إلى موضوع ينشئه الذهن أو يدركه بالتجربة، والموضوعات الميتافيزيقية ليست من منشآت الذهن