عدّة مهام كانتشار الضوء الذي افترض الأثير حاملًا له عند انتقاله من بعض الأجسام إلى بعض، كما يحمل- أيضاً- الحرارة والكهرباء ونحوها من قوى الطبيعة.
ويتلخّص هذا العرض في أنّ الطبيعة واقع موضوعي مادّي يحكمه نظام آلي كامل.
ولم يستطع هذا المفهوم الفيزيائي أن يصمد للكشوف الحديثة التي فرضت على العلماء أن يقلبوا نظرياتهم عن الطبيعة رأساً على عقب، وبرهنت لهم على أنّ العقل العلمي لا يزال في البداية، وكان من أهمّ تلك الكشوف العلمية اكتشاف الكهارب الذي دلّ على وجود بنية مركّبة للذرّة واكتشاف انحلالها الإشعاعي.
فبينما كانت الذرّة هي الوحدة المادّية الأساسية التي تأتلف منها الطبيعة، عادت بدورها مركّبة، ولم تقف القصّة عند هذا الحدّ بل أصبح من الممكن أن تتبخّر كهرباء. وبينما كانت الحركة محدودة في حدود الحركات الميكانيكية التي تتّسق مع التفسير الآلي للطبيعة، اكتشفت ألوان اخرى من الحركة. وبينما كان الرأي السائد يزعم أنّ كتلة المادّة- وهي التعبير الرياضي عن الجوهر المادّي- دائمة وغير قابلة للتغيير، ثبت في البرهان العلمي أ نّها ليست ثابتة، بل هي نسبية ولا تعبّر في مفهومها الواقعي إلّاعن طاقة مكتنزة، ولذا تختلف كتلة الجسم باختلاف حركته.
وهكذا بدا للفيزيائيين واضحاً أنّ المادّية قد ماتت، وأنّ المفهوم المادّي للعالم أصبح يتعارض مع العلم والبراهين التجريبية.
ولأجل ذلك استطاع العلماء أن يكوّنوا عن العالم مفهوماً جوهرياً أعمق من المفهوم المادّي، وليست المادّية إلّاوجهاً من وجوه هذا المفهوم الجديد، بل ذهب بعض الفيزيائيين إلى أكثر من ذلك، فزعم أنّ مردّ العالم إلى حركة خالصة محاولًا الاستغناء عن إضافة أيّ حقيقة جوهرية إليها.