2- ديكارت[1]:
وهو من أقطاب الفلاسفة العقليين ومؤسّسي النهضة الفلسفية في أوروبا. بدأ فلسفته بالشكّ، الشكّ الجارف العاصف؛ لأنّ الأفكار متضاربة، فهي- إذن- في معرض الخطأ، والإحساسات خدّاعة في كثير من الأحايين، فهي- أيضاً- ساقطة من الحساب، وبهذا وذاك تثور عاصفة الشكّ فتقتلع العالم المادّي والمعنوي معاً ما دام الطريق إليهما هو الفكر والإحساس.
ويؤكّد (ديكارت) على ضرورة هذا الشكّ المطلق، ويدلّل على منطقيّته بأنّ من الجائز أن يكون الإنسان واقعاً في رحمة قوّة تهيمن على وجوده وعقله وتحاول خداعه وتضليله، فتوحي إليه بأفكار مقلوبة عن الواقع وإدراكات خاطئة. ومهما كانت هذه الأفكار والإدراكات واضحة فلا نستطيع استبعاد هذا الفرض الذي يضطرّنا إلى اتّخاذ الشكّ مذهباً مطّرداً.
ولكن (ديكارت) يستثني حقيقة واحدة تصمد في وجه العاصفة ولا تقوى على زعزعتها تيّارات الشكّ، وهي: (فكره)؛ فإنّه حقيقة واقعة لا شكّ فيها، ولا يزيدها الشكّ إلّاثباتاً ووضوحاً؛ لأنّ الشكّ ليس إلّالوناً من ألوان الفكر، وحتّى تلك القوّة الخدّاعة لو كان لها وجود فهي لا تستطيع أن تخدعنا في إيماننا بهذا الفكر؛ لأنّها إنّما تخدعنا عن طريق الإيحاء بالتفكير الخاطئ إلينا، ومعنى ذلك: أنّ التفكير حقيقة ثابتة على كلّ حال، سواءٌ أكانت مسألة الفكر الإنساني مسألة خداع وتضليل أم مسألة فهم وتحقيق.
[1] يراجع للتفصيل: تاريخ الفلسفة الحديثة: 65- 85، وديكارت، تأليف نجيب بلدي: 87- 132، و: ديكارت والفلسفة العقليّة، د. راوية عبد المنعم: 131- 176