عن الملكيّة الخاصّة، فإنّ حقّ الفرد في التملّك ينظر إليه دينيّاً وخُلُقيّاً بوصفه نتيجة لعضويّة الفرد في الجماعة التي أعدّ اللَّه الطبيعة وثرواتها لها وفي خدمتها، فلا يجوز أن تنتقض الملكيّة الخاصّة على أساسها وتصبح عاملًا من عوامل الإضرار بالجماعة وسوء حالها؛ لأنّها بذلك تخرج عن وصفها مظهراً من مظاهر انتفاع الجماعة، وحقّاً للفرد بوصفه عضواً في الجماعة التي اعدّت ثروات الكون لانتفاعها، فمن الطبيعي على هذا الأساس أن تحدّد سيطرة المالك على التصرّف في ماله بعدم استغلالها فيما يضرّ الآخرين ويسيء إلى الجماعة.
وعلى العكس من ذلك حقّ الملكيّة على أساس رأسمالي، فإنّه لا ينظر إليه بوصفه مظهراً من مظاهر انتفاع الجماعة، وإنّما يعبّر رأسماليّاً عن حقّ الفرد في أكبر نصيب ممكن من الحرّية في جميع المجالات، فمن الطبيعي أن لا يحدّد إلّا بحرّية الآخرين، فللفرد أن يستغلّ أمواله كيف يشاء ما لم يسلب الآخرين حرّيتهم الشكليّة[1].
فإذا كنت تملك مثلًا مشروعاً ضخماً فبإمكانك على أساس المفهوم الرأسمالي عن الملكيّة الخاصّة أن تتّبع في مشروعك مختلف الأساليب التي تتيح لك القضاء على المشاريع الصغيرة، والقذف بها خارج نطاق السوق بشكل يؤدّي إلى دمارها وضرر أصحابها؛ لأنّ ذلك لا يتعارض مع حرّيتهم الشكليّة التي تحرص الرأسماليّة على توفيرها للجميع[2].
[1] لتوضيح معنى الحرّية الشكليّة والحرّية الحقيقيّة راجع الصفحة 309 من اقتصادنا الكتاب الأوّل.( المؤلّف قدس سره)
[2] تصرّف المالك في ماله بشكل يؤدّي إلى الإضرار بالآخرين على نوعين:
أحدهما: التصرّف الذي يضرّ شخصاً آخر ضرراً ماليّاً مباشراً بإنقاص شيء من أمواله، كما إذا حفرت في أرض لك حفيرة تؤدّي إلى انهدام دار مجاورة لفرد آخر.
والآخر: التصرّف المضرّ بشكل غير مباشر الذي يؤدّي إلى سوء حال الآخرين دون أن ينقص فعلًا شيئاً من أموالهم، كالأساليب التي يتّبعها المشروع الرأسمالي الكبير في تدمير المشاريع الصغيرة، فإنّ هذه الأساليب لا تفقد صاحب المشروع الصغير شيئاً من بضاعته التي يملكها فعلًا، وإنّما قد تضطرّه إلى تصريفها بأرخص الأثمان والانسحاب من الميدان والعجز عن مواصلة العمل.
أمّا النوع الأوّل فهو يندرج في القاعدة الإسلاميّة العامّة( لا ضرر ولا ضرار)، فيمنع المالك وفقاً لهذه القاعدة من ممارسة ذلك النوع من التصرّف.
وأمّا النوع الثاني فاندراجه في تلك القاعدة العامّة يرتبط بتحديد مفهوم القاعدة عن الضرر، فإذا كان الضرر يعني النقص المباشر في المال أو النفس- كما يرى كثير من الفقهاء[ كفاية الاصول: 432، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار للمحقّق العراقي: 129]- فلا يندرج هذا النوع في القاعدة؛ لأنّه ليس إضراراً بهذا المعنى. وإذا كان الضرر بمعنى سوء الحال كما جاء في كتب اللغة( النهاية لابن الأثير 3: 82) فهو مفهوم أوسع من النقص المالي المباشر، ويمكن على هذا الأساس إدراج النوع الثاني في هذا المفهوم، والقول بتحديد سلطة المالك على ماله، ومنعه من ممارسة كلا النوعين المتقدّمين من التصرّفات المضرّة؛ لأنّها جميعاً تؤدّي إلى سوء حال الآخرين، ومردّ سوء الحال إلى النقص أيضاً، كما أوضحناه في بحوثنا الاصوليّة ودلّلنا على شمول القاعدة له.( المؤلّف قدس سره). راجع بحوث في علم الاصول 5: 489 والعناوين 1: 308