كبيرة من الأرض، غنيّة بالعيون والمناجم والثروات الطبيعيّة، بعيداً عن المنافسة والمزاحمة، وندرس سلوكه وما يمارسه من ألوان الحيازة، إنّ إنساناً كهذا لن يفكّر في الاستيلاء على مساحة كبيرة من الأرض وما فيها من مناجم وعيون وحمايتها؛ لأنّه لا يجد داعياً إلى هذه الحماية، ولا فائدة يجنيها منها في حياته، ما دامت الأرض بخدمته في كلّ حين لا ينافسه فيها أحد، وإنّما ينصرف مباشرة إلى إحياء جزء من الأرض يتناسب مع مستوى قدرته على الاستثمار.
ولكنّه بالرغم من أ نّه لا يفكّر في حيازة مساحات كبيرة من الأرض يمارس دائماً حيازة الماء بنقله إلى كوزه، والحجر يحمله إلى كوخه، والخشب يوقد عليه النار؛ لأنّه لا يتاح له الانتفاع بهذه الأشياء في حياته إلّابحيازتها وإعدادها في متناول يده.
فحيازة الأرض وغيرها من مصادر الطبيعة لا معنى لها إذن عندما تنعدم المنافسة، بل الإحياء وحده في هذا الحال هو العمل الذي يمارسه الفرد في الطبيعة لاستثمارها والانتفاع بها. وإنّما تكتسب حيازة الأرض قيمتها عندما توجد المنافسة على الأرض وتشتدّ، فينطلق كلّ فرد للاستيلاء على أوسع مساحة ممكنة من الأرض وحمايتها من الآخرين. وهذا يعني أنّ حيازة الأرض وما إليها من مصادر الطبيعة ليست عملًا ذا صفة اقتصاديّة من أعمال الانتفاع والاستثمار، وإنّما هي عمليّة تحصين لمورد طبيعي وحمايته من تدخّل الآخرين فيه.
وعلى العكس من ذلك حيازة الخشب والحجر والماء فإنّها ليست عمل قوّة، وإنّما هي بطبيعتها عمل اقتصادي من أعمال الانتفاع والاستثمار، ولهذا رأينا أنّ الإنسان المنفرد في حياته يمارس هذا اللون من الحيازة بالرغم من تحرّره عن كلّ دافع من دوافع القوّة واستعمال العنف، وهكذا نعرف أنّ حيازة الأشياء المنقولة من ثروات الطبيعة ليست مجرّد عمل من أعمال القوّة، وإنّما هي في الأصل عمل