الحفيرة ملكاً بالحيازة، وبدون الحيازة والعمل لا يملك من الماء شيئاً، كما أكّد على ذلك الشيخ الطوسي في المبسوط، إذ قال: إنّ المباح من ماء البحر والنهر الكبير، مثل دجلة والفرات، ومثل العيون النابعة في موات السهل والجبل، فكلّ هذا مباح، ولكلّ واحد أن يستعمل منه ما أراد وكيف شاء بلا خلاف، لخبر ابن عبّاس المتقدّم عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «إنّ الناس شركاء في ثلاث:
الماء والنار والكلأ»[1]، وإن زاد هذا الماء فدخل إلى أملاك الناس واجتمع فيها لم يملكوه[2].
فالعمل إذن هو أساس تملّك ما يسيطر عليه الشخص من مياه تلك المصادر، وأمّا دخول شيء من تلك المياه في سيطرة الشخص بتسرّب الماء من النهر إلى منطقته دون عمل منه فلا يبرّر تملّكه له، بل يبقى الماء على إباحته العامّة ما لم يبذل عمل في حيازته.
وأمّا القسم الثاني من المصادر الطبيعيّة للماء وهو ما كان مكنوزاً ومستتراً في باطن الأرض فلا يختصّ به أحد ما لم يعمل للوصول إليه، والحفر لأجل كشفه، فإذا كشفه إنسان بالعمل والحفر أصبح له حقّ في العين المكتشفة يجيز له الاستفادة منها، ويمنع الآخرين من مزاحمته[3]؛ لأنّه هو الذي خلق بعمله فرصة الانتفاع بتلك العين، فمن حقّه أن ينتفع بهذه الفرصة، وليس للآخر ممّن لم يشاركه جهده في خلقها أن يزاحمه في الاستفادة منها، ولذلك يصبح أولى بالعين من غيره، ويملك ما يتجدّد من مائها؛ لأنّه لون من ألوان الحيازة، ولكنّه لا يملك
[1] مستدرك الوسائل 17: 114، الباب 4 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2
[2] المبسوط 3: 282
[3] انظر الروضة البهيّة 4: 64