وهكذا تضع الماركسية يدها على رأس الخيط، وتصل في تسلسلها الصاعد إلى السبب الأوّل في الحركة التأريخية بمجموعها.
وهنا يبدو سؤالان: ما هي وسائل الإنتاج؟ وكيف تنشأ عنها الحركة التأريخية والحياة الاجتماعية كلّها؟
وتجيب الماركسية على السؤال الأوّل: بأنّ وسائل الإنتاج هي الأدوات التي يستخدمها الناس في إنتاج حاجاتهم المادية؛ ذلك إنّ الإنسان مضطرّ إلى الصراع مع الطبيعة في سبيل وجوده، وهذا الصراع يتطلّب وجود قوى وأدوات معيّنة يستعملها الإنسان في تذليل الطبيعة واستثمار خيراتها. وأوّل أداة استخدمها الإنسان في هذا المجال هي يده وذراعه، ثمّ أخذت الأداة تظهر في حياته شيئاً فشيئاً، فاستفاد من الحجر بصفته كتلة ذات ثقل خاصّ في القطع، والطحن، والطرق. واستطاع بعد مرحلة طويلة من التأريخ أن يثبت هذه الكتلة الحجرية على مقبض فنشأت المطرقة. وأصبحت اليد تستخدم في تكوين الأداة المنتجة، لا في الإنتاج المباشر، وصار الإنتاج يعتمد على أدوات منفصلة، وأخذت هذه الأدوات تنمو وتتطوّر كلّما ازدادت سلطة الإنسان على الطبيعة، فصنع الفؤوس، والحراب، والسكاكين الحجرية، ثمّ تمكّن بعد ذلك أن يخترع القوس والسهم ويستعملهما في الصيد. وهكذا تدرّجت القوى المنتجة تدرّجاً بطيئاً خلال آلاف السنين حتّى وصلت إلى مرحلتها التأريخية الحاضرة، التي أصبح فيها البخار والكهرباء والذرّة هي الطاقات التي يعتمد عليها الإنتاج الحديث. فهذه هي القوى المنتجة التي تصنع للإنسان حاجاته المادية.
وتجيب الماركسية على السؤال الثاني أيضاً: بأنّ الوسائل المنتجة تولّد الحركة التأريخية طبقاً لتطوّراتها وتناقضاتها. وتشرح ذلك قائلة: إنّ القوى المنتجة في تطوّر ونموّ مستمرّ، كما رأينا، وكلّ درجة معيّنة من تطوّر هذه القوى