وفي هذا الضوء نعرف أنّ المجال الأساسي للملكيّة الخاصّة لرقبة الأرض في التشريع الإسلامي هو ذلك القسم من الأرض الذي كان ملكاً لأصحابه، وفقاً لأنظمة عاشوها قبل الإسلام، ثمّ استجابوا للدعوة ودخلوا في الإسلام طوعاً أو صالحوها، فإنّ الشريعة تحترم ملكيّاتهم وتقرّهم على أموالهم[1].
وأمّا في غير هذا المجال، فالأرض تعتبر ملكاً للإمام، ولا تعترف الشريعة بتملّك الفرد لرقبتها، وإنّما يمكن للفرد الحصول على حقّ خاصّ فيها عن طريق الإعمار والاستثمار، كما مرّ في رأي الشيخ الطوسي. وهذا الحقّ وإن كان لا يختلف عمليّاً في واقعنا المعاش عن الملكيّة ولكنّه يختلف عنها نظريّاً؛ لأنّ الفرد ما دام لا يملك رقبة الأرض ولا ينتزعها من نطاق ملكيّة الإمام فللإمام أن يفرض عليه الخراج، كما قرّره الشيخ الطوسي، وإن كنّا غير مسؤولين فعلًا عن هذا الخراج من الناحية العمليّة؛ لأجل أخبار التحليل التي رفعته بصورة استثنائيّة مع اعترافها به نظريّاً.
فالشريعة على الصعيد النظري إذن لم تعترف بالملكيّة الخاصّة لرقبة الأرض إلّافي حدود احترامها للملكيّات الثابتة في الأرض قبل دخولها في حوزة الإسلام طوعاً وصلحاً.
ويمكننا بسهولة أن نجد المبرّرات السياسيّة لهذا الاعتراف إذا ربطناه باعتبارات الدعوة ومصلحتها الرئيسيّة، بدلًا عن ربطه بالمضمون الاقتصادي للنظرة الإسلاميّة؛ لأنّ اولئك الذين أسلموا على أراضيهم طوعاً، أو دخلوا في حوزة الإسلام صلحاً كان من الضروري أن تترك المساحات التي عمروها في أيديهم، وأن لا يطالبوا بتقديمها إلى دولة الدعوة التي دخلوا فيها أو انضمّوا إلى
[1] انظر جواهر الكلام 21: 171- 175