هذه هي نظرة الإسلام نحو الأرض كما تبدو لنا- حتّى الآن- قبل إبراز العنصر السياسي منها. وفي الواقع أ نّها جديرة بحلّ التناقض القائم بين أنصار ملكيّة الأرض وخصومها، فإنّ ملكيّة الأرض من القضايا الاجتماعيّة التي لعبت دوراً مهمّاً في التفكير البشري، تبعاً لأهميّتها بوصفها ظاهرة عاشت في حياة الإنسان منذ آلاف السنين.
وأكبر الظنّ أنّ هذه الظاهرة ولدت في تاريخ الإنسان أو اتّسعت بعد اكتشافه للزراعة واعتماده في حياته عليها؛ إذ وجد الإنسان المزارع نفسه بحاجة إلى الاستقرار في أرض خاصّة مدّة من الزمان، لما يتطلّبه هذا الإنتاج من وقت، فكان من الطبيعي أن يرتبط إلى حدٍّ ما بمساحة معيّنة من الأرض، ويمارس فيها عمله، ويقيم له فيها مأوىً ومسكناً يسكنه قريباً من زرعه؛ ليكون قادراً على مراقبته والمحافظة عليه، وفي النهاية وجد الإنسان المزارع- أيّ مزارع- نفسه مشدوداً إلى مساحة من الأرض ومرتبطاً بها بعدّة روابط تنبع كلّها أخيراً من عمله الذي أنفقه على الأرض، وجهده الذي اختلط بتربتها وكلّ ذرّة من ذرّاتها، فكان من أثر ذلك أن نشأت فكرة الاختصاص؛ لأنّها كانت تعكس من ناحيةٍ هذا الارتباط الذي يجده المزارع بينه وبين عمله المنفصل الذي جسّده في الأرض ومزجه بوجودها. ومن ناحية اخرى كانت فكرة الاختصاص تحقّق الاستقرار، وتسفر عن تقسيم الأرض على أساس الكفاءة؛ إذ يحتفظ كلّ فرد بالمساحة التي عمل فيها وأثبت كفاءته إلى درجة ما في استثمارها.
وعلى هذا الأساس نرجّح أن تكون الحقوق الخاصّة في الأرض نشأت تاريخيّاً في أكبر الظنّ نتيجة للعمل، واتّخذت هذه الحقوق على مرّ الزمن شكل الملكيّة.