وهناك ظاهرة اخرى، وهي: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يمارس بنفسه السيطرة على أراضي خيبر بالرغم من تقسيم جزء منها على الأفراد، إذ باشر الاتّفاق مع اليهود على مزارعة الأرض ونصّ على أنّ له الخيار في إخراجهم متى شاء.
فقد جاء في سنن أبي داود: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أراد أن يجلي اليهود عن خيبر، فقالوا: يا محمّد، دعنا نعمل في هذه الأرض، ولنا الشطر ما بدا لك ولكم الشطر»[1].
وفي سنن أبي داود أيضاً، عن عبد اللَّه بن عمر: «أنّ عمر قال: أ يّها الناس، إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان عامل يهود خيبر على أ نّا نخرجهم إذا شئنا، فمن كان له مال فليلحق به، فإنّي مخرج يهود خيبر، فأخرجهم»[2].
وعن عبد اللَّه بن عمر أيضاً أ نّه قال: «لمّا افتتحت خيبر سألت يهود رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يقرّهم على أن يعملوا على النصف ممّا خرج منها؟ فقال رسول اللَّه:
اقرّكم فيها على ذلك ما شئنا، فكانوا على ذلك، وكان التمر يقسّم على السُّهمان من نصف خيبر، ويأخذ رسول اللَّه الخمس»[3].
ونقل أبو عبيد في كتاب الأموال عن ابن عبّاس أ نّه قال: «دفع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خيبر- أرضها ونخلها- إلى أهلها مقاسمة على النصف»[4].
ونحن إذا جمعنا بين هاتين الظاهرتين من سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله: بين احتفاظه بجزء كبير من خيبر لمصالح المسلمين وشؤون الدولة، وبين ممارسته بوصفه
[1] سنن أبي داود 3: 157، الحديث 3006
[2] المصدر السابق: 158، الحديث 3007
[3] المصدر السابق: الحديث 3008
[4] الأموال: 97، الحديث 191