الاقتصادي اجتهاديّة فليس من الحتم أن تكون هي الصورة الواقعيّة؛ لأنّ الخطأ في الاجتهاد ممكن. ولأجل ذلك كان من الممكن لمفكّرين إسلاميّين مختلفين أن يقدّموا صوراً مختلفة للمذهب الاقتصادي في الإسلام تبعاً لاختلاف اجتهاداتهم، وتعتبر كلّ تلك الصور صوراً إسلاميّة للمذهب الاقتصادي؛ لأنّها تعبّر عن ممارسة عمليّة الاجتهاد التي سمح بها الإسلام وأقرّها، ووضع لها مناهجها وقواعدها.
وهكذا تكون الصورة إسلاميّة ما دامت نتيجة لاجتهاد جائز شرعاً، بقطع النظر عن مدى انطباقها على واقع المذهب الاقتصادي في الإسلام.
هذه هي الحقيقة. وأمّا الخطر الذي يحفّ بعمليّة الاكتشاف القائمة على أساس الاجتهاد من فهم الأحكام والمفاهيم في النصوص فهو خطر العنصر الذاتي، وتسرّب الذاتيّة إلى عمليّة الاجتهاد؛ لأنّ عمليّة الاكتشاف كلّما توفّرت فيها الموضوعيّة أكثر وابتعدت عن مظانّ العطاء الذاتي كانت أدقّ وأنجح في تحقيق الهدف. وأمّا إذا أضاف الممارس خلال عمليّة الاكتشاف وفهم النصوص شيئاً من ذاته وساهم في العطاء فإنّ البحث يفقد بذلك أمانته الموضوعيّة، وطابعه الاكتشافي الحقيقي.
ويشتدّ الخطر ويتفاقم عندما تفصل بين الشخص الممارس والنصوص التي يمارسها فواصل تاريخيّة وواقعيّة كبيرة، وحين تكون تلك النصوص بصدد علاج قضايا يعيش الممارس واقعاً مخالفاً كلّ المخالفة لطريقة النصوص في علاج تلك القضايا، كالنصوص التشريعيّة والمفهوميّة المرتبطة بالجوانب الاجتماعيّة من حياة الإنسان. ولأجل هذا كان خطر الذاتيّة على عمليّة اكتشاف الاقتصاد الإسلامي أشدّ من خطرها على عمليّة الاجتهاد في أحكام اخرى فرديّة: كالحكم بطهارة بول الطائر، أو حرمة البكاء في الصلاة، أو وجوب التوبة على العاصي.