بوصفه نبيّاً مبلّغاً للشريعة الإلهيّة الثابتة في كلّ مكان وزمان ليكون هذا الملء الخاصّ من سيرة النبيّ لذلك الفراغ معبّراً عن صيغ تشريعيّة ثابتة، وإنّما ملأه بوصفه وليّ الأمر المكلّف من قبل الشريعة بملء منطقة الفراغ وفقاً للظروف.
ونريد أن نخلص من هذا إلى النتائج الآتية:
أوّلًا: أنّ تقويم المذهب الاقتصادي في الإسلام لا يمكن أن يتمّ بدون إدراج منطقة الفراغ ضمن البحث، وتقدير إمكانيّات هذا الفراغ، ومدى ما يمكن أن تساهم عمليّة مَلئه مع المنطقة التي مُلئت من قبل الشريعة ابتداءً في تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي.
وأمّا إذا أهملنا منطقة الفراغ ودورها الخطير فإنّ معنى ذلك تجزئة إمكانيّات الاقتصاد الإسلامي، والنظر إلى العناصر الساكنة فيه دون العناصر المتحرّكة.
وثانياً: أنّ نوعيّة التشريعات التي ملأ النبيّ صلى الله عليه و آله بها منطقة الفراغ من المذهب بوصفه وليّ الأمر ليست أحكاماً دائميّة بطبيعتها؛ لأنّها لم تصدر من النبيّ بوصفه مبلّغاً للأحكام العامّة الثابتة، بل باعتباره حاكماً ووليّاً للمسلمين. فهي إذن لا تعتبر جزءاً ثابتاً من المذهب الاقتصادي في الإسلام، ولكنّها تلقي ضوءاً إلى حدّ كبير على عمليّة ملء الفراغ التي يجب أن تمارس في كلّ حين وفقاً للظروف، وتيسّر فهم الأهداف الأساسيّة التي توخّاها النبيّ صلى الله عليه و آله في سياسته الاقتصاديّة، الأمر الذي يساعد على مَلء منطقة الفراغ دائماً في ضوء تلك الأهداف.
وثالثاً: أنّ المذهب الاقتصادي في الإسلام يرتبط على هذا الأساس ارتباطاً كاملًا بنظام الحكم في مجال التطبيق، فما لم يوجد حاكم أو جهاز حاكم يتمتّع بنفس ما كان الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله يتمتّع به من الصلاحيّات بوصفه حاكماً لا بوصفه نبيّاً لا يتاح ملء منطقة الفراغ في المذهب الاقتصادي بما تفرضه