عمليّة التركيب بين الأحكام:
حين نتناول مجموعة من أحكام الإسلام التي تنظّم المعاملات وتحدّد الحقوق والالتزامات، لنجتازها إلى ما هو أعمق، إلى القواعد الأساسيّة التي تشكّل المذهب الاقتصادي في الإسلام يجب أن لا نكتفي بعرض أو فحص كلّ واحد من تلك الأحكام بصورة منعزلة ومستقلّة عن الأحكام الاخرى؛ لأنّ طريقة العزل أو الانفراديّة في بحث كلّ واحد من تلك الأحكام إنّما تنسجم مع بحث على مستوى القانون المدني في أحكام الشريعة، فإنّ هذا المستوى يسمح بعرض المفردات مستقلّة بعضها عن البعض؛ لأنّ دراسة أحكام الشريعة في مستوى القانون المدني لا تتخطّى المجالات التفصيليّة لتلك الأحكام، وإنّما تتكفّل بعرض أحكام الإسلام التي تنظّم عقود البيع والإيجار والقرض والشركة مثلًا، وليست مكلّفة بعد ذلك بعمليّة تركيب بين هذه الأحكام يؤدّي إلى قاعدة عامّة.
وأمّا حين يكون درسنا لتلك الأحكام وعرضنا لها جزءاً من عمليّة اكتشاف المذهب الاقتصادي فلا يجدي عرض المفردات فحسب لاكتشاف المذهب وإن اكتفت بحوث كثير من الإسلاميّين بهذا القدر، بل يتحتّم علينا أن ننجز عمليّة تركيب بين تلك المفردات، أي أن ندرس كلّ واحد منها بوصفه جزءاً من كلّ، وجانباً من صيغة عامّة مترابطة، لننتهي من ذلك إلى اكتشاف القاعدة العامّة التي تشعّ من خلال الكلّ أو من خلال المركّب، وتصلح لتفسيره وتبريره.
وأمّا في طريقة العزل والنظرة الانفراديّة فلن نصل إلى اكتشاف.
فإلغاء فائدة رأس المال في عقد القرض، والسماح بالكسب الناتج عن إيجار وسيلة الإنتاج في عقد الإجارة، ومنع المستأجر عن أن يتملّك بسبب عقد الإجارة المادّة الطبيعيّة التي يحوزها أجيره .. كلّ هذه الأحكام لا بدّ- بعد التأكّد