ولأجل هذا سوف يتّسع البحث في هذا الكتاب لكثير من أحكام الإسلام في المعاملات والحقوق التي تنظّم العلاقات الماليّة بين الأفراد، كما يتّسع لبعض أحكام الشريعة في تنظيم العلاقات الماليّة بين الدولة والامّة، وتحديد موارد الدولة وسياستها العامّة في إنفاق تلك الإيرادات؛ لأنّ هذا الكتاب ليس كتاب عرض للمذهب الاقتصادي فحسب، وإنّما هو كتاب يحاول أن يمارس عمليّة اكتشاف لهذا المذهب، ويحدّد لهذه العمليّة اسلوبها وسيرها ومضمونها ونتائجها.
ولهذا أيضاً سوف نقتطف وننسّق من أحكام الإسلام في المعاملات والحقوق والضرائب ما يعدّ بناءً عُلويّاً للمذهب، ويلقي ضوءاً عليه في عمليّة الاكتشاف. وأمّا الأحكام التي لا تساهم في هذا الضوء فهي خارجة عن مجال البحث.
فعلى سبيل المثال نذكر الربا، والغشّ، وضريبة التوازن، وضريبة الجهاد، فإنّ الإسلام قد حرّم الربا في المعاملة كما حرّم الغشّ أيضاً، غير أنّ تحريم الربا والمنع عن القرض بفائدة يساهم في عمليّة الاكتشاف؛ لأنّه جزء من بناءٍ عُلوي لنظريّة توزيع الثروة المنتجة، فهو يكشف عن القاعدة العامّة للتوزيع في الإسلام، كما سيأتي في بحث توزيع ما بعد الإنتاج. وأمّا حرمة الغشّ فليس لها إطار مذهبي؛ ولذلك قد تتّفق عليها قوانين جميع البلاد المختلفة في مذاهبها الاقتصاديّة.
وكذلك الأمر في ضريبتَي التوازن والجهاد، فإنّ الضريبة التي يشرّعها الإسلام لحماية التوازن- كالزكاة مثلًا- تدخل في عمليّة الاكتشاف، دون ضريبة الجهاد التي يأمر بها الإسلام لتمويل جيش المجاهدين فإنّها تتّصل بدور الدعوة في الدولة الإسلاميّة، لا بالمذهب الاقتصادي في الإسلام.