عمليّة اكتشاف وعمليّة تكوين
إنّ العمليّة التي نمارسها في دراستنا للمذهب الاقتصادي الإسلامي تختلف عن طبيعة العمل الذي مارسه الروّاد المذهبيّون الآخرون، فإنّ الباحث الإسلامي يحسّ منذ البدء بالفارق الأساسي بين موقفه من المهمّة التي يحاول إنجازها، وموقف أيّ باحث مذهبي آخر ممّن مارسوا عمليّة البحث المذهبي في الاقتصاد، وبشّروا بمذاهب اقتصاديّة معيّنة كالرأسماليّة والاشتراكيّة.
وهذا الفارق الجوهري هو الذي يحدّد لكلٍّ من البحثين الإسلامي وغيره معالم الطريق، ونوع العمليّة التي يجب أن يمارسها البحث، وطابعها المميّز، كما سنرى بعد لحظات.
فالمفكّر الإسلامي أمام اقتصاد منجز تمّ وضعه، وهو مدعوّ إلى تمييزه بوجهه الحقيقي، وتحديده بهيكله العامّ، والكشف عن قواعده الفكريّة، وإبرازه بملامحه الأصيلة، ونفض غبار التاريخ عنها، والتغلّب بقدر الإمكان على كثافة الزمن المتراكم والمسافات التاريخيّة الطويلة، وإيحاءات التجارب غير الأمينة التي مارست- ولو اسميّاً- عمليّة تطبيق الإسلام، والتحرّر من اطر الثقافات غير الإسلاميّة التي تتحكّم في فهم الأشياء وفقاً لطبيعتها واتّجاهها في التفكير.
إنّ محاولة التغلّب على كلّ هذه الصعاب واجتيازها للوصول إلى اقتصاد